خط طباعي نقطي

أول شعور يخالجك حينما تدخل الى معهد النفط العربي في بغداد أنك انتقلت إلى خارج العراق. فإدارة هذه المؤسسة الممولة من منظمة الأوابك حرصت على أن يكون هذا المعهد مؤسسة دولية للتدريب. وقد نجحوا في ذلك. فالبناء ونظافته وصيانته وترتيبه والناس الذين يعملون فيه كل ذلك كان مميزاً عمّا ألفناه نحن العراقيين في تلك الفترة من الثمانينات. لا أدري ما حال هذه المؤسسة اليوم. وحينما قمت بالبحث عنه عبر الأنترنيت وجدت له موقعاً واكتشفت في الأثناء وصلة رائعة لتحديد المواقع الجغرافية على شئ أسمه Wikimapia. جرّبوا هذه الوصلة على موقع معهد النفط العربي.

وفي ذلك العهد الذي سبق ظهور برامج مايكروسوفت باوربوينت PowerPoint نظم المعهد دورة عن برنامج سبقه من شركة IBM أسمه ستوريبورد Storyboard. وهو كبرنامج باوربوينت يساعد في عمل المواضيع التي يمكن عرضها على شاشة الحاسبة أو تكبيرها للعرض على شاشات كبيرة. كان ذلك قبل أيام ويندوز وكان البرنامج يستخدم أطقم حروف ذاتية، أي لا تتعلق بنظام التشغيل كما هو الحال في باوربوينت. وحيث كانت أطقم الحروف هذه قابلة للتعديل قام فريق معهد النفط العربي بإعداد أطقم حروف عربية للبرنامج متفاخرين به كإنجاز ذاتي متميز.

وحينما وصل الأمر إلى إمكنية تصميم الحروف العربية سال لعابي. فانتهزت فرصة الدورة التدريبية لمعرفة طريقة إعداد الحروف  النقطية (bitmap) لهذا البرنامج، وقد تفضل فنيو المعهد بكشف الأسرار. فأمضى بعدها محسوبكم لا أدري كم من الوقت منكباً على الحاسوب يصمم أطقم الحروف النقطية، فأتحفت البشرية بما يلي:

إعلان إصدار تعريب برنامج ستوري بورد
الحروف بخط النسخ
الحروف بالخط الكوفي
نماذج لأظهار قدرة الحروف في العروض

لم يتطلب التعريب معرفة فنيّة متميزة غير الحس الذي يتمتع به من يحب الحرف العربي. في حين أن أغلب التعريبات الأخرى التي عملت عليها كان يتطلب معرفية تقنيات محددة لأجل ترجمة الفكرة التصميمية الى أطقم حروف طباعية صالحة للأستخدام البشري. وقد أعجبتني النتيجة وكسائر مشاريعي الشخصية ظننت فيها قيمة تجعلها صالحة للتسويق.

لم تكن أطقم الحروف هذه هي الأختراع الوحيد الذي أنفقت عليه الساعة بعد الساعة عملاً وحلماً. لكثرة مشاريعي التي لم ترى النور صنعت لها مقابر، قد تكون هذه المدونة واحدة من هذه المقابر. ولكن لي في تسويق حروف ستوري بورد قصة طريفة. فمن بين كل الأسواق المحتملة لم أختر سوى معهد النفط العربي كزبون مناسب لمنتوجي الطازج. وحينما ذهبت أليهم بحروفي وبزهو لا يقل عن زهوهم بالحروف التي طوروها في المعهد تفاجئت بموقف عجيب. لم يقابلوا حروفي بقلة إهتمام كما فعل غيرهم ممن عرضت عليهم اختراعاتي. إنصدم المهندس الذي كان أول من عرضت عليه الحروف حيث تغييرت تعابير الترحاب على وجهه الى حالة إنجماد في التعبير بعد أن فهم ما جئت به إليهم. تركني وذهب إلى مكان آخر ليعود ومعه زمرة من موظفي المعهد ليفتحوا معي تحقيقاً عن كيفية سرقة سرهم الخطير.

ثلاث حكم نستنتجها من هذه التجربة:

ألأولى: الأناء يفيض بما ينضح. وهذه حقيقة وليست مجرد مثل. فإذا كنت حرامي فتصورك للعالم من حولك يدور حول موضوع السرقة.

الثانية:  أن التسويق فن لا يقل أهمية عن فن الصناعة  نفسها.

 والثالثة هي في الواقع نصيحة للحرامية: لا تحاولوا بيع ما سرقتموه الى من سرقتموه منه.

تعريب برنامج أوتوكاد

هل تصدقون أن العبد الفقير استطاع يوماً أن يبرمج أداة لتصميم الحروف العربية من مثل فونتلاب؟ أنا أكاد لا أصدق أيضاً. ولكن حينما بدأت البحث عن أجزاء هذا البرنامج لعرضها في هذه التدوينة في صناديق الحفظ المتربة على حاسبتي عثرت على روائع لا أدري كيف نسيتها. كان ولعي بالبرمجة بمقدار ولعي بالحروف العربية أو أكثر. لم تعرض عليّ مشكلة ألاّ ولدي حلها بالبرمجة. ولتعريب برنامج أوتوكاد صممت البرنامج الذي كان هذا واجهته:

واجهة استخدام مصمم الحروف

وتمكنت بهذه الأداة من تصميم أطقم حروف عديدة للتعريب وضمّنت الأداة نفسها في الأصدار ليتمكن الآخرون من تصميم أطقم حروف بأنفسهم. وقد قمت بتنفيذ ستة أطقم حروف منها ثلاثة من تصميمي:

نماذج خطوط عدة تعريب أوتوكاد

كان إصدار تعريب برنامج أوتوكاد كاملاً مع كتاب الأرشادات الذي يمكن تنزيله من هذه الوصلة. وسأحاول في هذه التدوينة بيان مجالات وفوائد الدمج بين تصميم الحروف والبرمجة.

ولقد كان هذا المشروع بحق مجالاً للدمج بين التكنولوجيا والفن حيث تجسدت النواحي التكنولوجية في أستخدام تقنيات أوتوكاد المختلفة وبخاصة لغات البرمجة التي يوفرها هذا البرنامج لتطوير أدوات تصميمية متخصصة، فيما ظهرت الجوانب الفنية في تصميم أطقم الحروف وتصميم المكونات الكرافيكية لواجهة الأستخدام الخاصة بأداة التعريب.

والحقيقة أن الكثير مما تحقق في هذا المشروع يعود الى الأمكانيات العالية لبرنامج أوتوكاد نفسه فيما يوفره من لغات برمجة لعمل الوظائف المتخصصة وما يصاحبها من قوائم وأشرطة الأوامر في واجهة الأستخدام بما يمكن من دمج الأداة التي تطورها مع البرنامج بما يظهر كوحدة صميمية في هيكل البرنامج. وهذه المعمارية المفتوحة كما تسمى (Open Architecture) أوحت لي بأن أعتمد المثال المفتوح أيضا في عدة نواحي، منها عمل وظائف برمجية خاصة بالتعريب بما يتيح للمستخدم العربي أن يستخدمها في مد التعريب في أتجاهات تناسب المستخدم. ولمعرفة أمكانيات أوتوكاد أنظر الى نتائج البحث على هذا الموضوع من خلال هذه الوصلة.

أشرطة أوامرمتخصصة في واجهة استخدام أوتوكاد
فنون تصميم أطقم الحروف العربية

وساعدني المشروع في فهم آليات نظم تعريب الحاسبات فيما يتعلق باستخدام صفحات الترميز (code pages) وإسقاط سلسلة النص المرمزعلى أشكال الحروف (glyphs) واختيار شكل الحرف المناسب آلياً بحسب موقع الحرف من الكلمة باستخدام جداول البحث (lookup tables). وبعض من هذه التقنيات لا تزال تستعمل في تقنيات ظهرت لاحقاً في أطقم حروف Truetype و Opentype.

وكانت لغة ليسب (LISP) هي أول ما استخدمت لتجربة التقنيات البرمجية المذكورة في أعلاه. وهي لغة سهلة التعلم بالرغم من الترميز الغريب لأسماء الوظائف. وسأنشر ملف التعريب كاملاً على هذه الوصلة لمن يستطيع الإستفادة منه لتطوير نظم تعريب أفضل في أوتوكاد أو في منصات أخرى لتطويرالبرمجيات. وبطبيعة الحال أنا حاضر لتوضيح البرنامج للراغبين في الإستفادة منه وذلك من خلال الإتصال بي عبر هذه المدونة.

تصميم الصفحات: مشروعي الطباعي الأول

لعل تصميم صفحات المطبوعات أهم من تصميم الحروف ذاتها. تعلمنا في الهندسة المعمارية أن نهتم بالمبنى على مستويات عديدة. فالمستوى الأول يتمثل بالشكل العام وكيف ينظر إليه عن بعد. ثم يأتي بعد ذلك مستوى الأحتواء ضمن كتله الخارجية وبالتالي الداخلية وهذه مستويات أخرى يجب الإهتمام بها وإعطائها المعالجات الخاصة بها. حتى ننتهي بمستوى التفاصيل الصغيرة كتشطيبات الجدران وتفاصيل التركيبات من أبواب وشبابيك وإضاءة. وفي كل مرحلة على المصمم أن يوفر للمستخدم متعة بصرية متجددة.

وهذا ينطبق على تصميم المطبوعات. فأول ما يجذب النظر هو أبعاد المطبوع وألوانه الرئيسية. ثم تبدأ العين بالتفرس في تصميم الصفحة وتوزيع المساحات الكتابية والصورية عليها. ثم وبعد ذلك تبدأ العين بملاحظة الحروف وأشكالها واتزانها أن كان ذلك مما يهم القارئ. وقد يغفل الكثير عن تصميم الحروف فلا يفرق معهم هذا الخط أو ذاك طالما أنه بالإمكان قراءة النص.  في حين أن التنسيق الجيد للصفحة يساعد في فهم النص وذلك بالتركيز على ما يظهر مهماً فيها.

أول تجربة لي في مجال الطباعة التجارية كان مشروعاً خاصاً لي. وكان هذا المطبوع كراساً لتعليم الصلاة على شكل صفحات بالأسود والأبيض وبالقطع الكبير مطوية داخل غلاف كرتوني ملون. وقد كان المشروع مجهوداً فردياً بالكامل تقريباً. كتبته بنفسي ورسمت صوره بنفسي وصممت الصفحات بنفسي وبحثت عن التمويل بنفسي وأشرفت على الطباعة بنفسي. والحمد لله أستطيع القول بأني نجحت الى حد كبير في ذلك كله، إلا أن الفشل كان ينتظرني فيما بعد ذلك. فقد فشلت في تسويق المطبوع ولولا جهود الأخوة الطيبين في توزيع المطبوع لما أستطعت تغطية أصل الكلفة وأرجاع المبالغ المقترضة الى أصحابها. وأريد أن أثبت في هذه المدونة دعاءاً الى كل من ساهم في تمويل المشروع وتوزيع المطبوع. اللهم يارب العزة العظيم اغفر لهم وارحمهم وارزقهم واهدهم الى الجنّة يا رحمن يا رحيم.

الغلاف بالألوان ألأساسية والخطوط القوية
الطية الداخلية. اكتشفت روعة الطغراء قبل قناة الجزيرة
طباعة الدار العربية. أحسن مطبعة في العراق يومذاك... ولكن

وبالرغم من أني كنت أتعامل مع أحسن مطبعة في العراق يومذاك في صيف 1986 ألاّ أن المستوى الفني الذي وفرته كان دون المطلوب. وحيث أنني رغبت في أنتاج مطبوع متميز حاولت أن أحصر المؤثرات الفنية في أصل التصميم دون اللجوء الى ما تقدمه المطبعة من مؤثرات كالشبك على سبيل المثال. أبقيت تصميم الدواخل بالأسود والأبيض وأستخدمت التظليل بواسطة ما كان يسمى Screen tones. وفي الغلاف أخترت الألوان ألأساسية دون تدريج مع أستخدام خطوط عريضة للرسومات لتغطية الفروقات في تطابق الألوان المحتمل والذي كان شائعاً في الكتب المطبوعة في العراق آنذاك.

وضمن ماكيت طباعي موحد لكل صفحات النشرة قمت بتصميم الصفحة المنفردة بتوزيع المساحات بما يتلائم مع متطلبات الصفحة. وقد حاولت تحقيق التصميم الكرافيكي القوي باستخدام خطوط طباعية قوية والتركيز على توجيه المساحات بالاتجاه العرضي واستخدام التدرج اللوني الطفيف مع أستخدام إطارات بسييطة ذات زخرفة قوية.

الصفحة الأولى من نشرة الصلاة
رسوم بيانية في كراس تعليم الصلاة. مجال جديد لتطبيق الهندسة
توزيع المساحات مهم في تصميم الصفحات
رسوم بيانية. كل الأدوات البصرية لتوصيل المعنى

واخترت خط ياقوت أسود للنصوص والذي كان شائعاً في تنضيد الصحف في أغلب المطبوعات العربية.  ولا يزال هو الخط المفضل لدّي لتنضيد النصوص لما يمتلك من الخصائص التي سأتطرق أليها في مدونة لاحقة عن أنجح الخطوط الطباعية العربية. وياقوت أسود مناسب أيضاَ للعناوين الصغيرة والمتوسطة. والعناوين الكبيرة أعددتها بنفسي برسمها بالخط الكوفي وبوزن ثقيل. وقد قمت بإعداد طقماً كاملاً من هذا الخط الكوفي ضمن عدة تعريب برنامج أوتوكاد للتصميم والرسم الهندسي وآمل أن أستطيع أن أنجز الخط بطريقة Truetype أو OpenType قريباً.

خط كوفي خاص للعناوين

ولقد أفرحني أن النشرة قد أخذت مكانها في كثير من المساجد في بغداد بعد صدورها. ولست متيقناً مئة في المئة ولكنّي أظن بأنه قد تم تقليد النشرة من قبل آخرين ممن لهم ميزانيات مرتاحة (كما نقول  بالعراقي) في دول عربية مجاورة. لا بأس. المهم أن أنال أجرها في الآخرة بإذن الله. اللهم ثبتنا على دينك الذي ابتعثت به محمداً صلى الله عليه وسلم. ويمكن تنزيل نسخة من الكراس كاملاً بوضوح عالٍ من هذه الوصلة.

من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها

ألإمتداد البرمجي لتطبيقات الحواسيب

لأبدأ بشرح العنوان أولاً. صدقوني.. أنا لا أتفلسف باختيار عناوين رنانة. فأنا حينما أدون أحب أن يفهم الناس ما أقول. المشكلة هنا الآن هي أنني أصف شيئاً غير مألوف. فقليل ما هم من ابتلي ببلوتي من الولع ببرمجة الحاسوب. وبرامج الحاسوب الأكثر تداولاً اليوم، كبرنامج وورد MS Word يوفر إمكانية عمل أدوات برمجية صغيرة عبر البرمجة بلغة فيزوال بيسك للتطبيقات، أو ما يسمى VBA. وهذا ما أسميه “إمتداد”، ترجمة لكلمة “Extension” المستخدمة في هذا السياق. والفكرة هنا توفير أداة قوية لمستخدمي هذه البرامج لتكييفها بما يناسب إحتياجات المستخدمين المتخصصة.

ومن أكثر البرامج التجارية إهتماماً بتوفير هذه الإمكانية برنامج أوتوكاد الذي كان محط إهتمام كبير من المهندسين. ويقدم هذا البرنامج إمكانيات هائلة لبرمجته وتكييفه عبر لغات برمجية عديدة. كل شئ في البرنامج قابل للتعديل كالوظائف والقوائم وشكل واجهة البرنامج. وشاهد على إمكانيات البرنامج هو عدد التطبيقات المتخصصة التي استطعت أن أنجزها باستخدام أمكانيات أوتوكاد كأداة لتصميم الطرق وأخرى لتنظيف قنوات الري ونظام لتوزيع الرادارات وتطبيقات لرسم الأشكال الإحصائية. بل أستطعت من خلال الإمكانيات التي يوفرها أوتوكاد من تنفيذ ما يشبه التطبيق المتكامل. أنظر مثلاً الى تطبيق تصميم المباني في هذا الموقع.

والآن للنزل من سماء الأمكانيات الى أرض الواقع المرير في العراق أيام الحرب العراقية الإيرانية. ففي أول الحرب كان يبرر صدام حسين للناس أنه “مع الإيمان” لكثرة ما أوقع على متديني العراق في تلك الأيام من إرهاب وسجن وقتل. ثم صار قريب نهاية الحرب “الرئيس المؤمن” وصار يشجع البعثيين على دراسة القرآن والحديث و يبني الجوامع يميناً وشمالاً. ومن هنا جاء هذا المشروع. فقد صمم مهندسو ديوان الرئاسة جامعاً أراد صدام أن يكتب الفرآن كاملاً على جدرانة. لم تكن لدى مهندسيه وخطاطيه  فكرة عن كيفية توزيع القرآن على المساحات الداخلية المخصصة لذلك بحيث تستوعب النص القرآني دون زيادة مساحة أو نقصان النص. فطرحوا المشروع للمناقصة وشاء القدر أن يكون المشروع من نصيب أحد مكاتب القطاع الخاص الذي جاءني لمعرفته بخبرتي في برمجة أوتوكاد. كنت بشهادة الكثير من أحسن مبرمجي التصميم في العراق يومذاك إلا أن ذلك لم يكن السبب في الحصول على المشروع. فقد تبين لي بعدما رست المناقصة أن سعر العطاء الذي رتبته مع المكتب هو نصف سعر أقل العطاءات المنافسة. لم يهمني ذلك كثيراً فقد كان سعرنا مجزياً  والأكثر من هذا كان التحدي التصميمي مثيراً للغاية.

ونسقت الدائرة الهندسية مع ما كان يسمى يومذاك  مدرسة الفارس وتم إختيار مديرها للتنسيق معنا حول هذا المشروع. وتبين لي أن مدرسة الفارس هذه مدرسة خاصة لنخبة من الخطاطين والحرفيين تهدف إلى تخريج الفنيين للعمل في مباني وقصور الرئاسة. وبالرغم من تعالي موظفي الدوائر الرئاسيةعلى الخلق فقد وجدت في مدير مدرسة الفارس إنساناً مؤدباً وكان يفهم مبدأ تصميم الحروف الطباعية الى حد كبير. فقد قام بتصميم طقم الحروف لهذا المشروع بنفسه. واختار نمطاً كوفياً قديماً ليمثل الى حد ما الخط الذي نشأ على أرض العراق. واستلمت طقم الحروف منه مرسوماً على الورق بعناية حيث قمت بنسخه الى الحاسوب بالمسح الضوئي ومن ثم قمت بشف الخطوط اخارجية للحروف كل على حدة لبناء طقم Glyphs لمعالجتها برمجياً في أوتوكاد.

نمط كوفي قديم بقلم مصمم حديث

من أول التحديات التي واجهتها في هذا المشروع هو الحصول على النص القرآني حيث لم يكن النص القرآني متوفراً حينها بملفات قابلة للمعالجة كملفات برنامج وورد MS Word. وكان من الصعب تكليف واحداً أو أكثر من الطابعيين لتنضيد النص لما في ذلك من إحتمال الخطأ والحاجة الى المراجعة المتخصصة للنص بعد تنضيده. كان أملنا الوحيد هو برنامج سلسبيل للقرآن الكريم وهو من أوائل برامج القرآن الكريم التي شاع استخدامه على حاسبات الـ PC. إلا أن النص كان مغلقاً داخل البرنامج حيث لم يوفر وسيلة للحصول على نص مفتوح إلاّ أنه كان يرسل النص الى الطابعة. فخطر لي أن أعترض تيار الطباعة وأحوله الى ملف نصي مخزون على قرص الحاسبة. وبعد محاولات وتجارب بسيطة أستعطعت الحصول على الترميز لكامل النص وقمت بتحويله الى إحدى أنماط ترميز النص العربي الشائعة على نظم تشغيل MS DOS. وبهذا تسنى لي أمكانية التعامل مع النص في برامج النشر أو قراءة النص عبر الأدوات البرمجية المتخصصة التي أعدها.

وأريد أن أركز في ما تبقى من هذه التدوينة على عملية التنضيد. فقد اكتشفت أن تنضيد العربية بحافات مستقيمة على الجانبين(justification) يشبه تنضيد الحروف في أي لغة أخرى وليس بالضرورة الإعتماد على الكشيدة كما تدّعي نادين شاهين خبيرة شركة لاينو تايب. وقد أعتمدت طريقة أحتساب ما يمكن وضعه من الحروف على مسافة السطر المتوفر مع توفير مسافة محددة بين الحروف ثم تقسيم المسافة الفارغة المتبقية للوصول الى نهاية السطر على عدد المسافات وإضافة هذة المسافة التي ستصبح صغيرة الى المسافات بين الكلمات على هذا السطر. وهذه المسافة المتبقية بالتأكيد ستكون متغيرة بين سطر وآخر ولكن حينما تقسم على عدد المسافات تصبح صغيرة وبالكاد ملحوظة فنحصل بذلك على توزيع متجانس بصرياً للحروف على السطور.

نموذج لوحة تم تنضيدها برمجياً. لاحظ تجانس توزيع الحروف وانعدام استخدام الكشيدة في أسطر النص

وقد  قمت بوصف العملية بشئ من التفصيل في مجلة الحاسبات الألكترونية التي تصدر عن المركز القومي العراقي للحاسبات في عددها الثامن والعشرين الخاص الصادر عام 1996 حيث يمكن تنزيل المقال عبر هذه الوصلة.

سنين عجاف

صادف تخرجي عام 1979  تسلم صدام حسين الرئاسة في العراق. كانت لي مشاريع وأحلام وكانت له مشاريع وأحلام إلا أن الغلبة كانت له بطبيعة الحال. فجند صدام كل الشباب العراقي للخوض في أحلامه. حروب استمرت 23 سنة حتى سلم البلد خراباً الى مجموعة إخرى من المخربين. وقد خدمت مع الشباب العراقي فترة التجنيد الألزامي لسنوات طوال بدأت بخدمة عسكرية لمدة خمس سنوات ثم تلتها تسع سنوات من التعيين المركزي في دوائر الدولة في مجال التخطيط العمراني.

وقد كان صعباً عليّ أن أكبت الحاجة الى عمل شئ ذو طابع تصميمي. فمضيت حينما تسنح لي الفرصة في تحقيق بعض المشاريع التي كانت تروادني. وبالرغم من الصعوبات الجمّة أستطعت أن أخرج بحصيلة من المشاريع الخاصة. إلاّ أن الظرف الإقتصادي في العراق في تلك الفترات حالت دون تنضيج هذه المشاريع الى المستوى الذي كنت أخطط له. وحينما ضاقت بي السبل عام 1991 أعددت سيرة ذاتية مصورة ومفصلة في مجلد وذهبت به الى خارج العراق باحثاً عن الفرصة.

سيرتي الذاتية مصورة ومجلدة لمن يوظف

ويلخص المخطط الموجز لسيرتي الذاتية المشاريع التصميمية التي عملت عليها في الفترة حتى عام 91 وكان عددا منها يتعلق بتصمصم الحروف والتصميم الطباعي.

قائمة المشاريع التصميمية في الفترة 1981 وحتى 1990

ومما تسنى لي فعله خلال هذه السنين الصعبة هوترجمة إحدى كتب التصميم والرسم المعماري والذي كان بعنوان Architectural Graphics لمؤلفه Francis Ching. والكتاب الأصلي باللغة الإنكيزية قد تم طبعه بالكتابة اليدوية للمؤلف. وقد كان له خط يدوي جميل ذو طابع تقني حاولت أن أحاكية بالعربية.

صفحة من الترجمة التي لم تنشر بعد

ولقد قمت بتحميل الفصل الثاني من الكتاب المترجم على هذه الوصلة .

 

بسم الله وبحمده

هذه أول تدوينة ولعله من المفيد التنويه لزيارة صفحة “ما هذا؟” لمعرفة ما هذا.

أول مشروع لي بعد التخرج من دراسة الهندسة المعمارية كان تصميم لطقم من الحروف العربية للإستخدام الهندسي. لم يكن لدينا حاسبات يومذاك من عام 1980. ولإضافة الكتابات الى الرسوم الهندسية كان لا بد من الطلب من خطاط محترف أو أستخدام ضبعات الحروف، كما يسمونها.

وقد ظننت أنه بإمكاني تصميم طاقم حروف عربية ذات مزايا جديدة فكانت النتيجة ما أسميته الحروف الهندسية العربية. وبالرغم من كونها محاولة بدائية إلا أني أظن أن فيها بعض الأفكار فيما يتعلق بتطويع الحروف العربية الى المتطلبات الفنية الحديثة. فقد تم تطبيق نظام الـ ISO في التكبير والتصغير.

ولأجل الحصول على التجانس في شكل الحروف وعلى عادة مصممي الحروف وتمشياً كذلك مع ما هو متعارف عند الخطاطين قمت بتكوين ما أسميته هيكلاً لبناء الحروف عليه.

وقد عرضت التصميم على عدد من المصنعين بضمنهم شركة Rotring. ولذلك فقد قمت بإعداد كراس يوضح الفكرة ويعرض نموذج الحروف المصممة. وقد أعددت الكراس باللغة الأنكليزية ليسهل أستخدامه من قبل الشركات التي هي بالطبع أجنبية. ويمكنكم مشاهدة نسخة مختصرة من الكراس عبر هذه الوصلة.