فرص عمل – تصميم الحروف العربية

تعلمت قوة شد العناوين الرئيسية من الصحف. فكثيراً ما تظهر الصحف عناوينها الرنّانة في الصفحات الأولى لتكتشف بعد أن تقرأ الخبر كاملاً أن الموضوع لم يكن يستحق أصلاً جعجعة العنوان المطبوع “بالبنط العريض”. لذا أروجو عدم التحمس كثيراً حيث أنني لا أعرض وظائف شاغرة في مجال تصميم الحروف الطباعية. وكل ما  أريد أن أصل إليه هو أن لتصميم الحروف الطباعية مجالات واسعة يمكن أن تمثل كل منها فرصة لتسويق إبداعاتك من خلالها. ومن بين هذه المجالات أستطيع أن أعدد ما يلي: 

  • الإستخدام التقليدي في المطبوعات: الصحف والمجلات والكتب والأعمال الطباعية الخاصة
  • صفحات الإنترنيت وتطبيقات الحاسوب عموماً
  • البث التلفزيوني وأفلام الفيديو والتلفزيون
  • اجهزة الهواتف المحمولة
  • العلامات المرورية والإرشادية
  • الإعلانات التجارية الكبيرة
  • العلامات التجارية وتوصيف المنتوجات على الأغلفة
أفاق واسعة فمن لها؟

ويفرض كل من هذه المجالات معاييراً تصميمية تحدد تصميم الحرف المستخدم فيها. فحروف الإعلانات القوية يجب أن تختلف عن حروف النصوص الطباعية ولا تصلح الواحدة منها في مكان الأخرى في الغالب. وبالرغم من رغبتي في تحديد المواصفات الفنية لكل من الإستعمالات المذكورة فغايتي اليوم تختلف بعض الشئ. فالذي أود القيام به اليوم هو بيان المجال الواسع لتطبيقات تصاميم الحروف وما يمثله هذا من فرص يستطيع المصمم أن يستثمرها لإطلاق طاقاته والإستفادة منها مهنياً.

ومع ما يبدو من هذه السوق الكبيرة إلا أن جني ثمارها ليس سهلاً. ويعرف الذين خاضوا غمار تجربة تسويق حروفهم العربية كيف تحطمت سفن أحلامهم على صخور هذه السوق الصلبة. وهذا ينطبق بالأخص على الذين حاولوا تسويق تصاميمهم مباشرة عبر منفذ المواقع الألكترونية التي أنشأوها لهذا الغرض والذي أدى بهم الى الإستهلاك في آلية السوق التي وصفتها في مدونتي عن المواقع العربية. ومع أنه من الضروري عرض تصاميم الحروف عبر موقع الكتروني خاص إلا أنه لا بد أيضاً من جهد تسويقي أوسع يصاحب هذا العرض. فعلى المصمم أن يحاول طرق أبواب ومنافذ من خلال محاولة ربط تصاميم الحروف مع إحدى الآليات التجارية التالية:

  • دور النشر أو مكاتب التصميم الطباعي أو المطابع التجارية
  • شركات عالمية لتسويق الحروف
  • شركات أنتاج أجهزة العلامات المرورية أو محلات صناعة اليافطات التجارية
  • تسويق الحروف العربية ضمن تصاميم العلامات والطراز التجاري الخاص للشركات أو الطراز الطباعي المميز للصحف والمجلات
  • شركات إنتاج نظم تشغيل الهواتف المحمولة
  • رزم تصاميم الحروف مع برمجيات طباعية أو تصميمية شائعة

 

ولعله من المفيد أن نعرض في هذا الصدد سياسة المصمم الطباعي باسكال زغبي. فغالباً ما تكون حروف باسكال مصممة لجهة مستفيدة محددة. ومن أمثلة ذلك تصميمه للحرف الطباعي المتسخدم في جريدة الوطن السعودية والتي أعاد تصميمها الطباعي رايان بومان من شركة شيكاب ميديا (Shakeup Media):

حرف طباعي خاص لجريدة الوطن السعودية
جريدة الوطن السعودية نفسها من تصميم Shakeup Media

 هذا ما لدي أن أقوله اليوم وعسى أن تكون فائدة ذلك بقدر رنّة عنوان التدوينة.

خطوط محمد الحسن

بالرغم من أني لم أقابل محمد الحسن من موريتانيا إلا أنّي أحبه. فهو مثال الشاب الغيور المبدع. فمع إنجازاته الرائعة في تصميم الخطوط العربية فله إسهامات لطيفة على موقعه وإن كان الموقع مهملاً على ما يبدو منذ عام 2007 بحسب ما يظهر من تاريخ المقالات والمداخلات الظاهرة على الموقع.  ومحمد الحسن بدأ التصميم حديثاً في السن. وبالرغم من السنين الطويلة التي قضيتها أنا في حرفة التصميم فقد تفوق محمد حسن عليّ في أيصال أعماله الى مستوى تسويق تجاري مقبول. ومحمد الحسن يستخدم الكوريل درو ويتحزب له بحماس ضد أدوبي وبرنامجهم الإليستريتور حيث يرى أن الأرض لا تتسع لكوريل درو والأليستريتور معاً.

وقد لا تشاركون محمد الحسن رأيه في كثير من الأمور ولكن من ناحيتي فأنا أتفق معه تماماً حول مشكلة نسخ الفونتات التي اشتكى منها. والحقيقة أن سياسة محمد الحسن في توزيع فونتاته تدعو للإعجاب. فقد قام محمد الحسن بجعل ما يزيد على 15 من خطوطه العربية متاحة للتنزيل والأستخدام الفردي. ومحمد الحسن من المعجبين بمصمم الحروف اللبناني مراد بطرس الذي على نقيض محمد الحسن له سياسة أخرى في توزيع حروفه  (انظر الى مفاجأة مراد حول Free Fonts على هذه الوصلة). وقد ساعدت طريقة توزيع حروف محمد الحسن على انتشار شعبيته  بين الشباب العربي المحب للمجّان والذي صار يثني على محمد حسن ويرسل له على موقعه: “المزيد، المزيد من المجّان”. ولكن يبدو أن الذي جعل محمد الحسن  يسخط في النهاية هي هذه المؤسسات ذات الميزانيات والمصروفات والتي قامت باستخدام خطوطه بشكل مخالف للشروط التي وضعها محمد حسن على استخدام هذه الخطوط.

حاول محمد حسن أن يحاور الناس بخصوص نسخ الخطوط

وقد حاولت أن أشير الى بعض أسباب المشاكل التي يعاني منها المبدعون من أمثال محمد الحسن في البيئة العربية في تدوينتي السابقة عن المواقع العربية. وليس من عجب أن يفر المبدعون بعقولهم الى الغرب حيث الفرصة أكبر في تحقيق أحلامهم. بل حتى مع الحروف العربية الفرصة في صناعتها في الغرب أفضل. وهكذا نضل أمة بلا مبدعين، أمة تأكل ما لا تزرع وتلبس ما لا تصنع وإليكم هذا الإختبار البسيط. أنظر الى ما حولك أين ما كنت الآن وأجب على سؤالي: كم منه صنع في بلدك العربي وكم منه مستورد؟

ولكن أرجوكم أن تجففوا دموع الحزن على مبديعنا وتعالوا معي لنعد الى ما هو “فرايحي” أكثر، ألا وهي حروف السيد محمد الحسن. ويلاحظ من مجموعة الفونتات التي جمعتها لكم في أدناه أن محمد الحسن يبرع في تصميم كل من الحرف الطباعي للنصوص (لبنان، أيجيبت، صحافة، تايبوغرافيا) والحرف ذو الطابع الهندسي (السعودية، تونس، أكستندر، وغيرها). وقد حاولت أن أجمع وصلات التنزيل لكل من أنماط الحروف التي وفرها محمد الحسن في القائمة أدناه. ويبدو أن له مجموعة أخرى(نظام الخطوط الذكية) يحرص عليها كما تحرص قناة العربية على حروفها ويبدو أنه للحصول عليها يجب الإتصال به مباشرة. وعلى كل حال أرجو أن تراعوا شروط السيد محمد الحسن حول استخدام هذه الحروف وتبقوا في أذهانكم الجهد الكبير الذي بذله في صناعتها، وأتمنى لكم أسبوعاً ممتعاً مع حروف محمد الحسن.

وصلة لتنزيل حرف إكستندر

 

خط طباعي نقطي

أول شعور يخالجك حينما تدخل الى معهد النفط العربي في بغداد أنك انتقلت إلى خارج العراق. فإدارة هذه المؤسسة الممولة من منظمة الأوابك حرصت على أن يكون هذا المعهد مؤسسة دولية للتدريب. وقد نجحوا في ذلك. فالبناء ونظافته وصيانته وترتيبه والناس الذين يعملون فيه كل ذلك كان مميزاً عمّا ألفناه نحن العراقيين في تلك الفترة من الثمانينات. لا أدري ما حال هذه المؤسسة اليوم. وحينما قمت بالبحث عنه عبر الأنترنيت وجدت له موقعاً واكتشفت في الأثناء وصلة رائعة لتحديد المواقع الجغرافية على شئ أسمه Wikimapia. جرّبوا هذه الوصلة على موقع معهد النفط العربي.

وفي ذلك العهد الذي سبق ظهور برامج مايكروسوفت باوربوينت PowerPoint نظم المعهد دورة عن برنامج سبقه من شركة IBM أسمه ستوريبورد Storyboard. وهو كبرنامج باوربوينت يساعد في عمل المواضيع التي يمكن عرضها على شاشة الحاسبة أو تكبيرها للعرض على شاشات كبيرة. كان ذلك قبل أيام ويندوز وكان البرنامج يستخدم أطقم حروف ذاتية، أي لا تتعلق بنظام التشغيل كما هو الحال في باوربوينت. وحيث كانت أطقم الحروف هذه قابلة للتعديل قام فريق معهد النفط العربي بإعداد أطقم حروف عربية للبرنامج متفاخرين به كإنجاز ذاتي متميز.

وحينما وصل الأمر إلى إمكنية تصميم الحروف العربية سال لعابي. فانتهزت فرصة الدورة التدريبية لمعرفة طريقة إعداد الحروف  النقطية (bitmap) لهذا البرنامج، وقد تفضل فنيو المعهد بكشف الأسرار. فأمضى بعدها محسوبكم لا أدري كم من الوقت منكباً على الحاسوب يصمم أطقم الحروف النقطية، فأتحفت البشرية بما يلي:

إعلان إصدار تعريب برنامج ستوري بورد
الحروف بخط النسخ
الحروف بالخط الكوفي
نماذج لأظهار قدرة الحروف في العروض

لم يتطلب التعريب معرفة فنيّة متميزة غير الحس الذي يتمتع به من يحب الحرف العربي. في حين أن أغلب التعريبات الأخرى التي عملت عليها كان يتطلب معرفية تقنيات محددة لأجل ترجمة الفكرة التصميمية الى أطقم حروف طباعية صالحة للأستخدام البشري. وقد أعجبتني النتيجة وكسائر مشاريعي الشخصية ظننت فيها قيمة تجعلها صالحة للتسويق.

لم تكن أطقم الحروف هذه هي الأختراع الوحيد الذي أنفقت عليه الساعة بعد الساعة عملاً وحلماً. لكثرة مشاريعي التي لم ترى النور صنعت لها مقابر، قد تكون هذه المدونة واحدة من هذه المقابر. ولكن لي في تسويق حروف ستوري بورد قصة طريفة. فمن بين كل الأسواق المحتملة لم أختر سوى معهد النفط العربي كزبون مناسب لمنتوجي الطازج. وحينما ذهبت أليهم بحروفي وبزهو لا يقل عن زهوهم بالحروف التي طوروها في المعهد تفاجئت بموقف عجيب. لم يقابلوا حروفي بقلة إهتمام كما فعل غيرهم ممن عرضت عليهم اختراعاتي. إنصدم المهندس الذي كان أول من عرضت عليه الحروف حيث تغييرت تعابير الترحاب على وجهه الى حالة إنجماد في التعبير بعد أن فهم ما جئت به إليهم. تركني وذهب إلى مكان آخر ليعود ومعه زمرة من موظفي المعهد ليفتحوا معي تحقيقاً عن كيفية سرقة سرهم الخطير.

ثلاث حكم نستنتجها من هذه التجربة:

ألأولى: الأناء يفيض بما ينضح. وهذه حقيقة وليست مجرد مثل. فإذا كنت حرامي فتصورك للعالم من حولك يدور حول موضوع السرقة.

الثانية:  أن التسويق فن لا يقل أهمية عن فن الصناعة  نفسها.

 والثالثة هي في الواقع نصيحة للحرامية: لا تحاولوا بيع ما سرقتموه الى من سرقتموه منه.