الغايب حجته معاه
أعتذر مرة أخرى عن التأخر في التدوين. فقد بدأ عام 2013 بأحداث متتالية شغلتني آخرهاا زيارة سريعة قمت بها الى مدينة بغداد. وقد رجعت في منتصف آذار / مارس الماضي من هذه السفرة القصيرة. وكما تعرفون فإن أحداثاً جساماً مرت على بغداد منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي وتكاد اليوم بعد 35 سنة لا تشبه أبداً المدينة التي ولدت بها عاصمةً لبلد خير وبركة.
ولا أريد اليوم أن أقف باكياً على ذكر حبيب وموطن لأني أحب دائماً النظر الى الأمام – ولو بتفاؤل حذر. والرجاء في رحمة الله لن ينقطع بإذنه. لذا ستكون قصتي اليوم حول زيارتي لسوق السراي وشارع المتنبي في وسط بغداد والتي كنت آمل أن أظفر منها بصيد نفيس. وبالرغم من أني لم أجد جديداً في سوق السراي بعد انقطاع كل هذه السنوات إلا أني خرجت بحصيلة قلمي حبر وكراستين لتحسين الخط اليدوي من عمل الخطاط المصري مهدي السيد محمود.
كيف تكتب خطاً جميلاً بقلمك العادي
وبعد هذا الإفتتاح القصصي الذي سلط الضوء على قلم عادي يحاكي قلم مونبلان الغير عادي سأتناول فيما بقى من المقالة كراستي الخط للسيد مهدي السيد محمود. والسيد مهدي السيد محمود خطاط مصري له كراريس تعليم خط عديدة. والذي لفت نظري الى الكراستين اللتين اشتريتهما من بغداد هو أنهما تتناولان موضوع خط اليد العادي.
وكنت قد ذكرت في تدوينات سابقة أنه لا بد من مناهج تهتم بتعليم الكتابة العربية بالقلم العادي حيث أن أغلب كراريس الخط تهدف الى تعليم الخط التقليدي من نسخ أو ثلث أو رقعة الى آخر ذلك. وقد سرني أن السيد مهدي قد تطرق الى تحسين الخط بالقلم العادي وهو ما كنت أطمح الى البحث فيه كما وعدت في المقالة المشار إليها.
ومع إعجابي بالمبادرة إلا أن كراريس السيد مهدي لم تنطلق بعيداً عن بقية كراريس تعليم الخط التقليدية من حيث المنهجية. ولا يتعدى التجديد فيها استبدال أداة الكتابة من قلم الخط التقليدي ذو السن المشطوف بقلم الكتابة العادي. ولا يتضمن الكراس أي شرح حول خصائص القلم العادي ومقتضيات هذا التحول حيث يمضي السيد محمود في تعليم الكبار والصغار طريقة اتقان رسم الحروف كما فعل مَن قبله في شرح طرق تجويد الخطوط التقليدية. ولنضرب لذلك بعض الأمثلة من كراسة “كيف تكتب خطاً جميلاً بقلمك العادي”:
هو دخول الحمام زي خروجه؟
وبالرغم من أني لا أعرف خلفية المثل المصري هذاإلا أني أعرف كيف استعمله. وأظن أن حكم هذه المادة الشعبية المصرية تنطبق على قضية المواطن المصري السيد مهدي السيد محمود. فإن النقلة في الكتابة من قلم الخط التقليدي الى قلم الكتابة الإعتيادي تقتضي نقلة كاملة في المنهجية. وأقتراحي في القضية في هذه الحالة هو:
- لا بد من التعرف على المواد التي نستخدمها في الكتابة اليدوية. وبالرغم من أن أغلبنا يعرف شيئاً عن القلم والورق المستخدم في الكتابة ولكن الموضوع أكبر من كدة بكثير. فهناك العديد من التفاصيل المفيدة التي يمكن إفادة الراغبين في تحسين كتابتهم بها. وهو ما سأبدأ في توضيحه في نهاية هذه المقالة.
- التدرب على نسخ أشكال الخطوط لا يؤدي بالضرورة الى تحسين الخط. شكل الحرف مهم، نعم أعترف. ولكن الأهم منه هو الإيقاع. وجمال الخط الحقيقي في اتزان الإيقاع. ولم أر لحد الآن كراس خط عربي يهتم بموضوع الإيقاع. شئ غريب، أليس كذلك يا زميلي العربي مع أننا نحن أهل الإيقاع قديماً في الشعر وحديثاً في الهشتك بشتك ودمدمة ما ينزل على رؤسنا من القنابل وطقطقة الرصاص. (هذا ما أقصده بالتفاؤل الحذر)
القلم العادي
لقد فتحت كراريس السيد مهدي السيد محمود -والتي كتبت على رأي المثل تقريباً في مصر وطبعت في العراق (بغير إذن على ما أعتقد) ثم قُرِأت من قبل عراقي مقيم في الأردن، شهيتي لإعادة الموضوع الذي بدأت به سابقاً. ولا بد لي من أن أسجل إعجابي مرة أخرى بالسيد مهدي السيد محمود على قدرته في انتاج هذا العدد من كتب تعليم الخط. فأنا في المقابل لم أستطع إنجاز عمل متكامل بالرغم من الأفكار الجديدة عندي والتي أتمنى أن يكون فيها الفائدة.
وسأبني على بعض ما أسسه السيد مهدي في حلقات متتالية وسأبدأ بالعنوان الذي يذكر القلم العادي. سأحاول تعريف الراغبين في تحسين خط أيديهم وأيديهن ببعض الأشياء المفيدة عن القلم العادي. وفي الواقع سأضرب هنا عصفورين بحجر. العصفور الأول هو ما يتعلق بالكتابة اليدوية، والعصفور الثاني يتعلق بالرسم اليدوي. حيث أن هذين العصفورين يعتمدان على القلم العادي.
على بركة الله:
اليد الواحدة لا تصفق
فإذا أردت التصفيق في الكتابة عليك أن تستعمل الورق مع القلم. وأهمية اختيار الورق لا تقل عن أهمية اختيار القلم وقد يكون تنوعه بمقدار تنوع الأقلام التي وصفنا بعضاً منها أعلاه. ولنستعرض بعضاً من أنواع الورق مع الملاحظات:
وختاماً بعض الملاحظات النهائية عن الورق:
- لا بد من تجربة الورق مع القلم الذي تنوي تحسين خطك به. فالورق الصقيل الذي يفيد الكتابة بالحبر السائل لا يصلح لقلم الرصاص أو قلم الحبر الجاف
- تمارين تحسين الخط تتطلب استخدام العديد من صفحات الورق. السعر يلعب دوراً مهماً في اختيار الورق.
- للورق خصائص عديدة غير صقالة الوجه. مثلاً هناك وزن الورق ودرجة الشفافية واتجاه النسيج. وتستطيع فحص الخاصية الأخيرة بشق الورق او بطيه. وستلاحظ أن الورق ينشق وينطوي في إحدى اتجاهاته بسهولة في حين أنك إذا فعلت ذلك في الإتجاة المتعامد سيكون الشق أو الطي أكثر صعوبة.
نعم لا بد لنا من معرفة المواد التي نستخدمها في الكتابة والخط وهذا شأن كل متقن لصنعته. لذا أرجو أن أكون قد ساهمت في زيادة المعرفة في هذا المجال أو على ألأقل زيادة الإهتمام بالبحث في هذه الجوانب. المهم هو إبقاء الهدف النهائي نصب أعيننا وهو تطوير إمكانية تحسين كتابتنا العربية للإستخدام في حياتنا اليومية المعاصرة. وبإذن الله سنقوم بمعرفة طرق مسك القلم في الحلقة القادمة من هذه السلسلة.