الخطوط الوظيفية

تحدثت في هذا الموضوع في مناسبات سابقة واتحدث به اليوم ففي الإعادة إفادة. كما أنها مناسبة لأعرض مسودة خطي الجديد ذا الطابع الرقمي. والمقصود بالخطوط الوظيفية هو تلك الخطوط التي صُنعت أساساً لتخدم وظيفة تصميمية معينة. ففي بيئتنا المعاصرة من حولنا الكثير من الكتابة وكل منها لها وظيفتها الخاصة. وعدا ما هو موجود في الكتب فإننا نرى الكتابة في أجهزتنا المحمولة وفي شاشات التلفزيون وفي اليافطات المنتشرة والإعلانات وعلى المنتوجات الاستهلاكية في كل مكان.

صورة وجدتها على تويتر وأعدت نشرها. كثافة طباعية هائلة من حولنا تبلغ عنان السماء.

ومن تفحص تصميم النص أو العنوان في مجالات الاستخدام المختلفة نلاحظ أنه بالرغم من وجود التنوع فإنه في النهاية قليل. فمثلاً خط منى يكاد يطغى على التصميم الطباعي الصحفي وخاصة الخليجي منه وكذلك في الإعلانات والعناوين الرئيسية. وسبب ذلك هو جودة هذا الخط من الناحية التصميمية وقربه من خط النسخ الذي يكتبه الخطاطون. أما في الكتب العربية فأغلبها يطبع بخط لوتس الذي تعودت عليه عين القارئ العربي وأصبح هذا الخط يمثل كل نص وقور وخاصة النص التراثي. ويحاول خط أدوبي نسخ الحديث اقتطاع حصة من طباعة الكتب إلا أن ما يطبع من كتب بخط أدوبي أقل بكثير من الكتب المطبوعة بخط لوتس.

نطبع كل شيء بخط لوتس.

واستقرت الأجهزة المحمولة على نظامي الأندرويد والآيفون (iOS). وقد اتخذ نظام الأندرويد خط هندسي حديث سمي درويد كوفي في البداية ثم تحول سريعاً إلى خط آخر اسمه درويد نسخ وذلك بعد نجاح خط الآيفون الذي كان أقرب إلى خط ياقوت الطباعي والذي أصبح اليوم أكثر تمييزاً منه في الإصدارات الأخيرة من الآيفون والآيباد. ولأن أغلب صفحات الإنترنت تستخدم خط الجهاز لتسريع عرض الصفحات نرى أن خط درويد نسخ وخط ياقوت هما الأكثر حضوراً على مواقع الإنترنت. أما المواقع التي تحاول بناء بصمة بصرية متميزة فإنها تستخدم في الغالب خطاً ذا تباين قليل من أمثلة خط درويد كوفي.

اختار صانعو الآيفون خط ياقوت أو شبيهه للعربي على جهازهم مما دفع جماعة الآندرويد إلى استبدال خط درويد كوفي بخط درويد نسخ.

وهناك صوت يروج لضرورة تطابق الخطوط الطباعية الحديثة مع قواعد الخط العربي التقليدي القديم كمثل الضجيج الذي يحدثه أصحاب شركة ديكوتايب. ومع أنه يمكن اعتبار منتجاتهم مساهمة نافعة في تطوير الطباعة العربية إلا أن ما يقومون به وما يدعون إليه لا يفيد إلا في حيز ضيق يتعلق بالمجالات التراثية. والمشهد الطباعي العربي المعاصر بحاجة إلى أدوات تصميمية تناسب روح العصر كما أكدت عليه في مقالات عديدة على هذه المدونة.

مشروعي الجديد القديم

انشغلت خلال أغلب السنة الماضية التي انتهت قبل أيام بالعمل على كتابي حول الخطوط العربية التاريخية. وتضمن عملي البحث والكتابة وتصميم المطبوع في آن واحد. وقد تمكنت من انجاز فصلين فقط من الكتاب بهذه الطريقة المضنية.

صفحات من فصل المواد والأدوات من كتابي عن الخطوط العربية القديمة. ويتضمن العمل البحث والكتابة وإعداد الرسوم والأشكال والتصميم. (بالمناسبة رتبت الصفحات بخط لوتس بعد استشارة زوجتي. ترى هل عملت الصحيح؟)

وللترويح عن نفسي بدأت في عمل آخر وهو صناعة خط رقمي لأحيي أحد تصاميمي القديمة. ففي بداية التسعينات ومع تحولي التدريجي من التصميم المعماري إلى مجال الحواسيب اشتركت مع بعض الأصدقاء في محل لبيع الحواسيب في الباب المعظم في بغداد وكان اسمه البشائر. وحيث كنت المصمم الوحيد بينهم قمت بتصميم شعار وهوية تجارية للمحل. وتضمن التصميم عنوان بخط مستوحى من الشاشات المكونة من مقاطع (Seven segment displays). وجعلت الألف مميزة بمقطعها العلوي حيث كان ذلك انطباعي عن شكل المقطع كما رأيته في الحروف المقطعية الصغيرة في تلك الشاشات. وظل في بالي مع مرور السنين تحويل تصميم هذا العنوان إلى خط حاسوب كامل وفعلاً كانت محاولتي الأولى لذلك في معرض اعدادي لمجموعة خطوط برنامج أوتوكاد إلا أن المشروع لم يكتمل في ذلك الوقت. أما اليوم وبفضل من الله فقد سنحت لي الفرصة لذلك في فترة راحتي من العمل على كتاب الخطوط العربية القديمة.

العنوان والعلامة التجارية لمركز البشائر للحاسبات. وقد استعملت حروف لتراسيت اللاصقة للكتابة بخط مريم من تصميم عصمت شنبور.

ثم تحولت الفكرة الى بداية خط بوزنين لبرنامج أوتوكاد وكان ذلك في بداية التسعينات من القرن الماضي.

وحيث أن نتائج التصميم كانت مرضية والحمد لله رأيت أن أعرض الخط مبدئياً كمثال لفكرة الخطوط الوظيفية حيث أن هذا الخط يمكن أن يخدم في المجالات التصميمية المتعلقة بالتكنولوجيا والحواسيب. ولن تعدو محاولتي إلا مشاركة مع المحاولات التي سبقتني حيث استخدم المصممون سابقاً خط قديم اسمه MCS Electron أصبح شيئاً من التاريخ لأنه غير متوافق مع التطبيقات الحديثة. كما قام الزميل سلطان المقطري ذو العطاء الوفير بصناعة خط ديجيتال على نفس الأساس.

خط MCS Electron قديم وقليل الظهور وغير متوافق مع اليونيكود فانقرض. إلا أنه تمكن قبل ذلك من لعب دور في الفيلم العربي “الباشا تلميذ”.

لسلطان المقطري خط على المنوال الذي نتكلم عنه ويبدو أن فكرته هو خط للنصوص كما في المثال الذي أعده. فكرتي تختلف حيث أن الخط الذي أعمل عليه للعناوين بشكل أساسي.

وفي النهاية فإن لكل من هذه الخطوط سمته المميزة وتوفر هذه التصاميم البدائل التي يمكن أن يستخدمها المصمم العربي في عمل التصاميم الطباعية والرقمية الحديثة. وقد زودتني تجربة صناعة هذا الخط بمعارف جديدة نتجت من محاولة إيجاد الحلول للتحديات العديدة التي واجهتني خلال مراحل صناعة هذا الخط والتي ربما تكون مادة جيدة لعرضها في سلسلة فيديوهات متممة لسلسلة صناعة الخطوط العربية في المستقبل بإذن الله. والآن لنستعرض النسخة الأولى من الخط من خلال بعض الأشكال. وأرحب بالنقد البنّاء وهذه فرصة لمن شاء أن يكون له رأي في هذا الخط ولتطوير القدرة على المشاركة بالنقد الموضوعي البناء.

لا يزال الخط بحاجة الى تزييت تعديل

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

هندسة

قد تكون هذه  العدادات التي تحسب عدد الزيارات على المواقع الألكترونية مفيدة. فمن خلالها بدأت أتحسس نوع الطلب على المعلومات المنشورة على هذه المدونة. والشئ العجيب أن أغلب الزيارات المحالة من محركات البحث تأتي سعياً وراء تعريب برنامج أوتوكاد. والذي أستقطب هذه الزيارات هي التدوينة التي نشرتها سابقاً حول أداة قمت بتطويرها منذ بداية التسعينات من القرن الماضي حيث استطعت أن أنشر نسخة صالحة منها للإستخدام مع إصدار أوتوكاد 2000 يومذاك.

نموذج لتصميم غلاف كتاب إرشادات الإصدار الأول

وقد قمت بتحميل الأصدار على عددٍ من المواقع لنشره وظهر بعد مدة أن عدد التحميلات من قبل المستخدمين كان متوسطاً. ولم يتصل بي سوى شخصين حول التعريب. وقمت بمحاولات لتسويق التعريب محلياً في العراق ولم تسدي هذه المحاولات كثيراً أيضاً. ولذلك تركت التعريب لما هو أجدى في وقتها، ولذا فإنني اليوم متحير في أمر هذه الزيارات الجديدة لموضوع التعريب.  ولعله من المفيد أن أعطي هذه الأداة  البرمجية فرصة أخيرة  وأجعلها متوفرة للمستخدمين من خلال هذه المدونة.

ولأجل القيام بذلك  كان لا بد علي أن أقوم بتحوير أداة التعريب للعمل في إصدارات أوتوكاد الحديثة. لم أكن أعلم أني سأعود الى ملفات المصدر القديمة لتطوير هذه الأداة الحروفية. والحقيقة فأن الكثير من هذه الملفات غير متوفر لديّ اليوم فقد تركتها في بيتي في العراق. لقد أجبرتني ظروف هذا البلد المنكوب بشكل مزمن على مغادرته منذ سنين حيث حملت معي ما استطعت حمله ومنها ملفات متفرقة تحوي شفرة المصدر لأداة التعريب. وبشئ من البحث والهندسة العكسية على الملفات النهائية أستطعت أن أنهي خلال الأسبوع الماضي إصداراً سريعاً للتجربة من قبل المهتمين. ولعل هذا الإصدار يمثل أداة نافعة لمن يريد أن يضيف العربية الى رسومات هندسة يراد طبعها.فالشئ المهم الذي يميز أدوات التعريب هي إمكانية طبع الحروف العربية مع مكونات الرسوم الهندسية. وبالإمكان رؤية نموذج من طباعة حروف أدوات التعريب على هذه الوصلة.

يمكن طبع حروف أدوات تعريب أوتوكاد

وللحصول على هذا الإصدار قم بتحميله من هذ الوصلة. وجميع الملفات  في هذا الإصدار مفتوحة وهذه دعوة للمهتمين لتطوير الأداة بالطرق التي يرونها مناسبة أو الأتصال بي لتعديل الأداة بما يناسب الإحتياجات المتخصصة. وفي حالة ثبوت الحاجة الى تعريب أوتوكاد فيمكنني المضيّ بمشروع يمكّن المستخدم من طباعة حروف Truetype التي تظهر على الشاشة في أوتوكاد ولا يمكن طبعها.

وحيث تهدف هذه التدوينة الى تطوير تصميم الحروف العربية وزيادة المعرفة العامة في هذا المجال فلعله من المفيد أن أعيد الى التداول مصمم حروف أوتوكاد الذي أرفقته ضمن الإصدار الأول. ولكن الأمر يعتمد على مستوى الطلب من قبل المستخدمين. وقد يكون من المفيد أن نجري الإستطلاع التالي حول هذه القضية:

تعريب برنامج أوتوكاد

هل تصدقون أن العبد الفقير استطاع يوماً أن يبرمج أداة لتصميم الحروف العربية من مثل فونتلاب؟ أنا أكاد لا أصدق أيضاً. ولكن حينما بدأت البحث عن أجزاء هذا البرنامج لعرضها في هذه التدوينة في صناديق الحفظ المتربة على حاسبتي عثرت على روائع لا أدري كيف نسيتها. كان ولعي بالبرمجة بمقدار ولعي بالحروف العربية أو أكثر. لم تعرض عليّ مشكلة ألاّ ولدي حلها بالبرمجة. ولتعريب برنامج أوتوكاد صممت البرنامج الذي كان هذا واجهته:

واجهة استخدام مصمم الحروف

وتمكنت بهذه الأداة من تصميم أطقم حروف عديدة للتعريب وضمّنت الأداة نفسها في الأصدار ليتمكن الآخرون من تصميم أطقم حروف بأنفسهم. وقد قمت بتنفيذ ستة أطقم حروف منها ثلاثة من تصميمي:

نماذج خطوط عدة تعريب أوتوكاد

كان إصدار تعريب برنامج أوتوكاد كاملاً مع كتاب الأرشادات الذي يمكن تنزيله من هذه الوصلة. وسأحاول في هذه التدوينة بيان مجالات وفوائد الدمج بين تصميم الحروف والبرمجة.

ولقد كان هذا المشروع بحق مجالاً للدمج بين التكنولوجيا والفن حيث تجسدت النواحي التكنولوجية في أستخدام تقنيات أوتوكاد المختلفة وبخاصة لغات البرمجة التي يوفرها هذا البرنامج لتطوير أدوات تصميمية متخصصة، فيما ظهرت الجوانب الفنية في تصميم أطقم الحروف وتصميم المكونات الكرافيكية لواجهة الأستخدام الخاصة بأداة التعريب.

والحقيقة أن الكثير مما تحقق في هذا المشروع يعود الى الأمكانيات العالية لبرنامج أوتوكاد نفسه فيما يوفره من لغات برمجة لعمل الوظائف المتخصصة وما يصاحبها من قوائم وأشرطة الأوامر في واجهة الأستخدام بما يمكن من دمج الأداة التي تطورها مع البرنامج بما يظهر كوحدة صميمية في هيكل البرنامج. وهذه المعمارية المفتوحة كما تسمى (Open Architecture) أوحت لي بأن أعتمد المثال المفتوح أيضا في عدة نواحي، منها عمل وظائف برمجية خاصة بالتعريب بما يتيح للمستخدم العربي أن يستخدمها في مد التعريب في أتجاهات تناسب المستخدم. ولمعرفة أمكانيات أوتوكاد أنظر الى نتائج البحث على هذا الموضوع من خلال هذه الوصلة.

أشرطة أوامرمتخصصة في واجهة استخدام أوتوكاد

فنون تصميم أطقم الحروف العربية

وساعدني المشروع في فهم آليات نظم تعريب الحاسبات فيما يتعلق باستخدام صفحات الترميز (code pages) وإسقاط سلسلة النص المرمزعلى أشكال الحروف (glyphs) واختيار شكل الحرف المناسب آلياً بحسب موقع الحرف من الكلمة باستخدام جداول البحث (lookup tables). وبعض من هذه التقنيات لا تزال تستعمل في تقنيات ظهرت لاحقاً في أطقم حروف Truetype و Opentype.

وكانت لغة ليسب (LISP) هي أول ما استخدمت لتجربة التقنيات البرمجية المذكورة في أعلاه. وهي لغة سهلة التعلم بالرغم من الترميز الغريب لأسماء الوظائف. وسأنشر ملف التعريب كاملاً على هذه الوصلة لمن يستطيع الإستفادة منه لتطوير نظم تعريب أفضل في أوتوكاد أو في منصات أخرى لتطويرالبرمجيات. وبطبيعة الحال أنا حاضر لتوضيح البرنامج للراغبين في الإستفادة منه وذلك من خلال الإتصال بي عبر هذه المدونة.