مثل مصير مفتاح كنيسة القيامة الذي إنتهى عند عائلة مسلمة لعدم إتفاق المسيحيون المقدسيون على من يحوزه، فقد ناب عن أصحاب الخط العربي من قام بتوحيد طريقة استعمال الخط العربي على الحواسيب. حيث قامت منظمة اليونيكود – لربما بأقل ما يمكن من استشارة أصحاب الشأن – بترميز الحروف العربية ضمن جداول موحدة أصبحت المعيار الأساس لاستخدام الخط العربي على الحواسيب وانتقال النص العربي عبر الإنترنت. وهذا جهد مشكور لأنه سهّل بشكل كبير تضمين النص العربي في البرمجيات وصفحات الإنترنت.
وبما أننا سنقوم بعون الله بمعرفة طريقة صناعة خط رقمي ضمن سلسلة تصميم وصناعة الخطوط العربية، فلا بد أن نعرف أهمية جداول ومواصفات اليونيكود حيث أن هذا العمل يعتمد على هذه الجداول في الصميم. والفكرة في أساسها بسيطة للغاية. فالموضوع لا يتعدى ترميز كل حرف من الحروف العربية برقم. نعم، هذا كل ما في الأمر. ولكن التحدي الأكبر يكمن في اتفاق المصنّعين ومن لهم علاقة بالموضوع وقد تم ذلك (نحن طبعاً مستثنون “بكلا”).
كما يتضمن الترميز تفاصيل معينة نستطيع أن نلخصها فيما يلي:
- الترميز يشمل الحروف والأرقام والحركات والإشارات والرموز (الفواصل والأقواس وعلامات الرياضيات وهكذا).
- الهمزة تأخذ أكثر من ترميز بحسب الرسم (مفردة، على الألف، على الواو، على الياء وهكذا).
- هناك عدة جداول لتغطية الخط العربي لتشمل كل اللغات التي تستخدم هذا الخط. وسنعرض صور الجداول التي تهمنا في البداية فيما يلي.
جداول اليونيكود للخطوط العربية
أولا: جدول الحروف الأساس
ثانياً: جدول أشكال المحارف العربية
وتستطيع تحميل هذه الجداول من موقع منظمة اليونيكود لنستخدمها فيما بعد عند صناعة الخطوط العربية. وروابط التحميل هي:
أولاً: الجداول الرئيسية للّغة العربية:
- Arabic: http://unicode.org/charts/PDF/U0600.pdf
- Arabic Presentation Forms-B: http://unicode.org/charts/PDF/UFE70.pdf
ثانياً: الجداول الثانوية للّغات التي تستخدم الخط العربي
- Arabic Presentation Forms – A: http://unicode.org/charts/PDF/UFB50.pdf
- Arabic Supplement: http://unicode.org/charts/PDF/U0750.pdf
- Arabic Extended: http://unicode.org/charts/PDF/U08A0.pdf
الى هنا إنتهى هذا الدرس وما عليك إلا أن تحمل هذه الجداول وتحفظها في مجلد حتى يتسنى لنا استعراض الجولة الأولى الفعلية في تصميم الخطوط العربية.
نكتة العدد (بمناسبة اليونيكود)
من آخر مصاحف الإنترنت التي تعرفتُ عليها هو مصحف مسقط الذي تم إطلاقه على ما يبدو في تموز – يوليو 2017. وقد تم إطلاق المصحف في حفل تم التركيز فيه على مشاركة سلطنة عمان بمنظمة اليونيكود. ولا أدري إن كان هذا صحيح أم لا خاصة وأن التقديمات كانت فيها المغالطات والمبالغات التي يبدو أن مُنشِئها كان صانع مصحف مسقط المدعو Thomas Milo وجماعته في ديكوتايب. فقد تم الإدعاء في هذا الحفل أن مصحف مسقط هو المصحف الثاني في التاريخ الذي تم إخراجه بالحروف الطباعية بعد مصحف القاهرة المعروف. وهذا خطأ لأن هناك عدد من المصاحف التي تم إخراجها بالحروف الطباعية ليس أقلها مصحف المدينة المنورة الألكتروني المنشور على موقع مجمع المللك فهد لطباعة القرآن الكريم منذ سنوات عديدة. هذا بالإضافة الى العديد من المواقع التي تستخدم الخط الأميري الرقمي الذي تحدثنا عنه والمأخوذ من خط مصحف القاهرة الشهير والذي ينظر إليه توماس وعصابته نظرة المأخوذ.
الدخول الى التاريخ من الباب الخلفي: مصحف توماس ميلو
ويريد منّا توماس ميلو أن نشكره على ما يراه هو إنجاز تاريخي لم يستطع أحد أن يفعل مثله. فقد قام في مقدمة إحدى عروضه التي غالباً ما يبدؤها بكوميديا سقيمة لا تليق سوى بمهرجي السيرك من الدرجة الواطئة والتي لا يوفوّتها فرصة للإستهزاء والمهاترة عرض المسكين حواراً مع إمرأة تنتقده لتعامله الغير لائق مع القيّم الإسلامية ويقول هذا ما يجازيه به أهل هذه الثقافة في مقابل ما يقوم هو به من التطوير والإبتكار. ويشوبني الشك في أنه قد اختلق النقاش برمته حيث أن توماس ميلو بارع في التلفيق ومثال ذلك الأسطورة التي إسمها مهندس أوغلو التي اخترعها. (إنظر مقالتي عام 2015)
ويبدو أن توماس ميلو قد إستغل طيبة العمانيين وأوحى إليهم بأنه سيقدم لهم الإعجاز التاريخي الذي لم يسبقه أحد لفعله. فقال لهم أن عمله سيكون ثاني مصحف من نوعه وقد بيّنا كيف أن هذا كذب. وقال لهم أنه مبني على اليوينكود وهو ربما كذلك في برمجة التطبيق الخادم ولكن من ناحية المستخدم فهو ليس كذلك بل هو ليس نصاً أصلاً إذ أن ما تحصل عليه من مصحف توماس ميلو ليس سوى صورة تم تشكيلها على الخادم.
ولكن المشكلة الحقيقية في أنه يعتقد أن عمله هو الإستنساخ الأصيل الوحيد لخط النسخ بالرسم العثماني لأنه يطّبق قواعد الخط العربي التي يظن أنه هو وحده قد اكتشفها. وهو بذلك يعتبر أن القرآن لم يتم تحميله على الإنترنت حتى قام هو بذلك لأن بقية المحاولات لا تطبق قواعد الخط العربي الأصيلة. وهذه مبالغة مضحكة لأنه وإن كان قد أتقن إلى حد ما طريقة تطبيق قواعد الخط العربي على التظهير الطباعي فهذا لا يعني أن بقية الأعمال لا يعتد بها لكونها قد عفت عن قاعدة خطاطية أو تفصيل هو يراه مهم. ثم أنه ومع تطبيقه الصارم (على إدعائه) لقواعد الخط في التظهير الطباعي فعمله لم يصل الى جمال عمل الخطاطين الأصلي وكما نرى في المقارنة التالية:
المبدأ في هذا الموضوع
غايتي من هذا النقد هو التنبيه حول الوهم الذي يروّج له توماس ميلو فيما يتعلق بالخط الطباعي العربي. وأستطيع أن ألخص ما أريد أن أقوله في النقاط التالية:
- الخط التقليدي (النسخ والثلث والرقعة وغيرها) غير الخط الطباعي ولا يجدر بالخط الطباعي أن يقلد الخطوط التقليدية لأنه من غير الممكن ذلك في حدود الإمكانيات الحالية وبضمنها الإمكانيات التي يعرضها توماس ميلو التي لا تعدو أن تكون تطبيق لقواعد الخط العربي دون الوصول الى المستوى الجمالي الذي يتمتع به الخط العربي الأصيل.
- صحيح أن الخط الطباعي العربي لم يحقق الإستنساخ والتطبيق الكامل لأصول الخط العربي إلا أن هذا غير مهم وغير مطلوب. فطالما أن الخط الطباعي العربي السائد يؤدي الوظيفة اللغوية والتي من ضمنها تسجيل ونقل النص القرآني كما يجب أن يُنظق فهذا كافي من الناحية العملية.
- ثم صحيح أن المستوى الجمالي لم يرق الى مستوى الخطوط العربية التقليدية وهذه نقطة مهمة وهي رسالتنا في هذه المرحلة. وحلها ليس بأن نعود الى الخطوط القديمة ونحاول إشتقاق قواعدها لتطبيقها على الخطوط الطباعية الحديثة، بل على العكس: يجب أن نمضي في محاولة لتجويد الشكل الجمالي للخطوط العربية الطباعية الحديثة وبما يناسب الإحتياجات الوظيفية للمجالات الثقافية المعاصرة في العلوم والآداب والفنون والرياضة.
- وأخيراً فإن من الدروس المستفادة هو ضرورة أن نتّفق على أن نتّفق لسد الطريق أمام دخول الذئاب بغطاء الحمل كما في الحكاية التي سردناها في هذه المقالة.
ختاماً لكم مني كل المحبة والإحترام ولنتفق على أن نتفق بأن نأخذ بالخط الطباعي العربي الحديث الى مستويات جمالية تليق بهذه الأمة العظيمة من مشرقها الى مغربها في تنوع يستوعب الجميع ويرضي الرب الذي ابتعث هذه الأمة برسالة محمد صلى الله عليه وسلم لرفع الإنسانية الى المستويات التي ترضي الرب الخالق وتحقق الكرامة والسعادة الإنسانية في الدارين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.