اعتدت أن أقدم الهدايا في المناسبات حينما كانت مقالاتي أكثر انتظاماً على هذه المدونة. وفي ذكرى مولد الحبيب المصطفى من العام الماضي أطلقت سلسلة تسجيلات فيديو حول الخطوط التاريخية القديمة. ومع أني لم أنجز من تلك المبادرة سوى تسجيلين لحد الآن إلا أني بفضل الله ماضٍ في التحضير لإنهاء هذه السلسلة. والحقيقة أن شواغلي كثيرة فأنا أنتقل بين عدد من المشاريع وقد حلت هذه المناسبة وأنا خالٍ هذه المرة من أي مبادرة منجزة أستطيع أن أهديها لقراء مدونتي الأعزاء.
فبحثت في جعبتي عمّا يكون ذي قيمة للآخرين أخرجه كهدية بهذه المناسبة العزيزة في هذا العام فوجدت خطي “جنين” الذي لم ينجز بالكامل. فعكفتُ عليه خلال اليومين الأخيرين لعلي أستطيع أن أهديه الى الناس اليوم مع إصدار هذه المقالة بمناسبة ذكرى المولد النبوي. فعسى أن يجد الناس في هذه الهدية فائدة وأن أجد في محبتي لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الرضا من الله.
ثم إني لا أريد أن أكون كالأطرش في الزفة فلا أشير ولو سريعاً الى ما يدور من حولنا في هذه الأيام. وهي أحداث مؤلمة أججها كل من طرفي الصراع وهما في الجريمة مشتركان سواء بسواء. فالذي أثار الفتنة واتخذ من ذريعة حرية التعبير طريقة لبث خطاب الكراهية والحط من كرامة الناس ليس بأقل إجراماً من الذي قتل وذبح. ما أكره الحياة التي يريدها كل من هؤلاء. وليعلموا أننا من كل بَراء وأننا مع رسول الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم نحبه برغم ما فعلوا ونجّله ونعلي قدره بالحجة والمحبة لا بالكراهية والعنف.
وتصديقاً لذلك فها هو دوري في هذه المناسبة أشارك بعمل بسيط. عمل فيه جمال وعمل فيه نشر المحبة للناس – كل الناس.
خط جنين بأوزانه الجديدة
وخط جنين الذي أقدمه هدية في هذه المناسبة هو تجربة في مجال الخطوط العربية الحديثة. قمت أولاً برسم أشكاله في برنامج Adobe Illustrator ومن ثم برمجته في FontCreator. وكتبت عن ذلك مقالة مفصلة تجدها على هذا الرابط. وبعد أن أستطعت الحصول على برنامج Glyphs قمت بتغيير أشكال بعض الحروف في هذا البرنامج الذي يتميز بأدوات مناسبة لرسم أشكال الحروف مع إضافة الأوزان المتعددة من الخفيف وحتى الثقيل.
والتحدي التصميمي في النسخة الحالية هو ما يتعلق بتضمين الحروف اللاتينية. فالخطوط العربية بحكم عملها على المنصات الحاسوبية والتطبيقات المختلفة تعمل بشكل أفضل مع وجود الحروف اللاتينية فيها. وفي مقابل هذا فأنا لست من أنصار تصميم خطوط عربية لتناسب خطاً لاتينياً معيناً لأنني أصنع الخطوط العربية لذاتها تبعاً لمنطق تصميمي معين. فرأيت أن أضيف الحروف اللاتينية كنوع من أنواع الــــ place holder لتسهيل عمل خطي في التطبيقات. لذا ستجد أن الحروف اللاتينية في هذا الخط متوافقة في الوزن فقط في حين أنها لا تميل بنفس الطريقة التي تميل بها الحروف العربية إلى اليسار. ويستطيع مستعمل الخط الذي يريد كتابة كلمة بالإنجليزية مثلاً أن يختار مقطع النص عند الكتابة ويستبدله بأي خط آخر يشاء.
وفي ما يلي بعض الخربشات التصميمية باستخدام خط جنين.
كمقدمة للعودة مرة أخرى الى موضوع تصميم وصناعة الخطوط العربية قمت بإعداد مسودة سريعة لمعالم محددة في تاريخ تطور الخط الطباعي العربي حسب معلوماتي المتواضعة. والمسودة التي أعددتها عبارة عن تطبيق على الإنترنت يعرض بطاقات تحتوي كل واحدة منها على نموذج لخط طباعي أو رقمي يمثل جانباً من جوانب تطور الخط الطباعي العربي. والغرض الأساسي من هذا التطبيق هو تيسير شرح هذه المعالم التاريخية في تسجيل قصير. وأرى أن هذه المقدمة مفيدة حيث أنها توضح لنا الأنواع المختلفة من الخطوط العربية وبالتالي يستطيع المهتم تحديد إتجاهه حينما يشرع في تصميم وصناعة الخط العربي الخاصة به. ولنبدأ المقدمة بتسجيلين توضيحيين.
وإشارة الى الروابط المذكورة في التسجيل، فيمكنكم الوصول إليها من خلال ما يلي:
لم ترق لي المبادرة التي أطلقتها مؤسسة خط الهولندية حول المزاوجة التيبوغرافية كما يسمونها لأني غير مقتنع بطريقة تصميم الخطوط العربية للتوافق مع الخطوط اللاتينية. وذلك مع أني من المتأثرين بأفكار الخطوط اللاتينية ومع أني أقتبس منها أحياناً. ولكني حينما أصمم خطاً عربياً أصممه لذاته محاولاً في تصميمي أن أحقق أهدافاً وظيفية وجمالية وثقافية معينة.
وقد كنت أتابع إعلانات معهد الرواد التدريبي في الأردن الذي كان يستخدم خطاً عربياً متميزاً في إعلاناته. وبعد عملية تحري هندسية بسيطة إستطعت التعرف على إسم الخط الذي يستخدمونه والذي ظهر لي من خلال وثيقة PDF على موقعهم أن إسمه بهيج ذي سانس (لا علاقة له مع سيف بن ذي يزن). وبعد بحث بسيط على الجوجل وجدت نسخة غير أصلية على موقع fonts2u معدلة من قبل شخص أفغاني اسمه بهيج.
ولكن البحث أظهر لي أيضاً أن أصل الخط هو من تصميم لوكاس دي جروت المعروف لتصميمه خط Calibri الذي راج مع مايكروسوفت أوفيس 2007. وكان لوكاس هذا قد بدأ خط ذي ميكس (TheMix) تحت مشروع المزاوجة التيبوغرافية المشار إليه ثم قام بتطويره لاحقاً الى خط ذي سانس. ولعل نتيجة عمله كانت أكثر توفيقاً في التصاميم الأخيرة لتجانس الخط الى حد كبير من حيث نسب الحروف والوزن والإيقاع. وهو على الأقل أجمل في نظري من خطوط جي إي من تصميم مراد بطرس التي ترتفع وتنخفض وتنكمش وتنتفخ بشكل غير متناسق أحياناً. ويبدو أن عدداً من مصممي المواقع قد إنتبه الى إمكانية هذا الخط حيث قاموا باستخدامه عوضاً عن خط تاهوما الذي ضل يحتل منذ فترة طويلة مكانة مهمة في تظهير النصوص العربية على صفحات الإنترنيت.