الحبر
إن تركيبة الحبر الذي استخدم في المصاحف الحجازية حسب ما يظهر لنا تتكون من خلطة نقيع حصى العفص المهشم والزاج وهذا كان ينتج حبراً أو مداداً بلون أسود مزرق. وحينما نضيف ما يقارب الـ1400 سنة الى الخلطة يصبح لون الخط الحجازي بنياً حيث يتحول لون الحبر مع مرور الزمن من الأسود الى البني.
وقد إستخدم حبر العفص لقرون خلت قبل ظهور الإسلام. ويتم إعداد هذا الحبر من حصيات العفص التي تنمو على أشجار السنديان بفعل حشرة العفص التي تضع بيوضها في نهايات أغصان الشجرة حيث ينمو ما يشبه الورم في مكان بيوض الحشرة لتعيش فيه يرقاتها. ثم وبعد تحول اليرقة العجيب الى حشرة تثقب هذه الأخيرة جدار كرة العفص لتخرج منها الحشرة المكتملة تاركة ورائها بيتها الذي يتصلب ويتحول الى حصوة كرويّة مثقوبة.
وقد كان العفص المفضل لصناعة الحبر هو العفص الحلبي. ويفضل أستعماله بعد خروج الحشرة من مكانها حيث يكون العفص غنياً بأحماض الدباغة. وقد وصف إبن باديس في الباب الثاني من كتابه “عمدة الكتاب وعدة ذوي الألباب” عدة وصفات للمداد أو الحبر التي تتضمن العفص. وفي العموم فإنه يتم تكسير العفص وتنقيعه بالماء العذب عدة أيام في مكان دافئ ثم يصفى الناتج الذي يكون بني اللون ويضاف إليه الزاج. والزاج هو كبريتات الحديد الذي يمكن صناعته بإضافة حامض الكبريتيك الى الحديد. وبإضافة الزاج الى ماء العفص يتحول لون السائل الى اللون الأسود المطلوب. ويضاف الصمغ العربي الى هذا المزيج لزيادة لزوجة المداد حيث يتحسن أداء المداد من حيث كمية ما يمكن حمله من المداد بالقلم وكذلك يتحسن جريان الحبر على سطح الرق الذي كانوا يكتبون عليه.
ولا يتشرب المداد في الرق سريعاً كما هو الحال في الورق الذي استخدم فيما بعد. وهذا يسهل تصحيح الأخطاء بمسح المداد إن كان لا يزال رطباً أو بحكه عن سطح الرق إذا تم جفافه. ويعمل مداد العفص على التأثير في الرق مع مرور الزمن بسبب حامضيته. وقد كان الرق يعاد إستعماله أحياناً بغسله لإزالة الكتابة وإعادة الكتابة عليه. ومن المصاحف الحجازية ما يحمل آثاراً تشير الى إستعماله عدة مرات. حيث يظهر شبح الكتابة الأصلية تحت الكتابة الجديدة بفعل أثر الحامض الموجود في المداد على سطح الرق.
وبالرغم من وجود الأحبار الكربونية في زمن كتابة المصاحف الحجازية إلا أنه يبدو أن الحبر الذي وصفناة آنفاً هو المفضل. ونرى أن المصاحف التي صنعت لاحقاً ومنذ الفترة الأموية والتي كتبت بالخط الكوفي كان الحبر المفضل لدى صانعيها هو حبر الكربون الأسود الذي لا يتغير لونه مع مرور الزمن.
المحبرة
إن كمية الحبر المحدودة التي يمكن لقلم القصب حملها تفرض على الخطاط تكرار إمداد القلم بالحبر مراراً أثناء الكتابة. ويمكننا تصور كثرة هذا التكرار في عملية كتابة نص مطوّل كنص المصحف. وهذا التكرار يستوجب سهولة إمداد القلم بالحبر ويفرض على شكل المحبرة تصميماً يكون مناسباً لإمداد القلم بالحبر بسهولة ويسر.
وقد تكون المحابر الصغيرة المحمولة باليد التي لا تكتب هي الحل الأمثل للخطاط. حيث يمكن تزويد المحبرة بكمية محدودة من الحبر واستعمالها حتى ينفد الحبر ومن ثم إعادة ملءها. وإن بقي شئ من الحبر في المحبرة بعد الإنتهاء من جولة الخط فلن يكون سوى القليل الذي يمكن إعادته الى المحبرة أو إبقاءه ليجف في المحبرة حيث يمكن حله بإضافة كمية جديدة من الحبر في الجولة اللاحقة من الكتابة. وهذا ممكن لأن الأحبار التي كانت مستخدمة قديماً تذوب بالماء بعد جفافها.
ويتم صناعة المحابر لتحتوي على مقدار من الحبر في تجويف المحبرة الداخلي. كما يتم تشكيل حلقة حول فتحة التجويف العلوية لينفض الخطاط عليها الفائض من الحبر من على قلمه بوضع سن القلم أو كشطه على الحلقة. ومع تراكم الحبر في الحلقة تنساب الكمية التي لم تجف منه عائدة الى تجويف المحبرة تارة أخرى. ومع زيادة خبرة الخطاط يصبح لديه الحس بكمية الحبر المناسبة على سن القلم والتي يمكن عمل ضربات الخطوط الحادة الكتيمة ذوات الحافات المنتظمة باستخدام الكمية المناسبة من الحبر.