خصائص الخط الحجازي

بعد أن قمنا بتوضيح الأدوات والمواد المستخدمة في رسم المصاحف الحجازية بقي لنا أن نستعرض خصائص الخط الحجازي كخطوة أخيرة في سلسلتنا عن الخط الحجازي. وسيجد بعض القراء ثقلاً في هذه المقالة لما تحويه من الخصائص الفنية التي لا تروق في الغالب إلا للمتخصصين فأرجو المعذرة ممن ليس لهم فضول في معرفة تفاصيل قد عفى عنها الدهر وأصبحت شيئاً من الماضي.

ولقد أمضيت عدداً من الأشهر خلال هذه السنة في دراسة الخط الحجازي وتعلمت بعض الحقائق اللطيفة عنه. وبالرغم من أهمية هذا الخط فيما يتعلق بجذور وأصل الخط العربي فإن المعلومات المتوفرة عنه قليلة (وخاصة بالعربية) والإهتمام به قليل (وخاصة عند العرب).  ولا أدّل من ذلك إلا هذا الفلم الوثائقي الذي ظهر على قناة الجزيرة الوثائقية منذ فترة وهو مليء بالأخطاء التاريخية والفنية فيما يتعلق بالحرف الحجازي.

وظاهرة قلة المعرفة بالخط الحجازي لها أسباب، نذكر منها صعوبة قراءة النص لغرابة شكل الحروف في نصوص المخطوطات الحجازية عمّا يعرفه ويألفه القارئ العربي المعاصر هذا بالإضافة الى ضياع النسخ الأصلية للمخطوطات الحجازية من بين أيدي أهلها حيث آل أكثر المخطوطات الى الجامعات والمتاحف الأجنبية. وأخيراً نذكر سطوة الخطوط العربية المتأخرة – وخاصة الخطوط العثمانية كالثلث والنسخ، والفارسية كخط التعليق – على الخطوط القديمة وذلك للفارق في المستوى الجمالي والتجويد في الصنعة الذي تتمع به الخطوط المتأخرة.

وسأحاول أن أعرض خصائص الخط الحجازي من خلال الرسوم والصور التوضيحية واعتماداً في الغالب على المصادر الغير عربية. وسأجتهد بعون الله في أخذ المفيد والصحيح من تلك المصادر حيث لا بد من التعامل معها بنظرة فاحصة وناقدة لكونها تمثل نظرة غربية وأحياناً غريبة عن الثقافة العربية. ولا بد هنا من الإشارة الى موقع مميز وموسوعي أقامه بعض الباحثين للرد على الشبهات والتشويهات التي تأتي من المصادر الغربية وهو موقع Islamic Awareness.

booktodisplay
تطور شكل حروف الخط الحجازي أساساً لغرض صناعة مصاحف الرق المجلدة (كما في الصفحة على اليمين) تحديداً بعد وفاة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم. إلا أن نمط الخط الحجازي ساد ليستخدم في عموم الكتابة والإستخدامات العملية الأخرى. ونرى في الصورة على اليسار حجر الأساس لسد في الطائف بني في عهد معاوية بن أبي سفيان وقد كتب عليه بالخط الحجازي المماثل لخط المصاحف.
yabis-layyin
الخط الحجازي مبني على ما كان يسميه العرب يومذاك خط الجزم. وخط الجزم في مجمله يصف طريقة رسم الحروف وكان يكتب على شكلين. الشكل الأول هو الخط الجاف ونستطيع القول بأن الخط الحجازي يعتبر من أوائل الخطوط الجافة (حيث أعقبه الخط الكوفي). والخط الثاني هو اللين والذي كان يمثل الكتابة اليدوية. وفي الصورة مقارنة بين الخط الحجازي الذي يمثل الخطوط الجافة -على اليمين- وكتابة بيد والي من ولاة مصر إسمه شريك بن قرّة -على اليسار- والذي يمثل الخطوط اللينة. وفي الغالب تعود هاتان المخطوطتان الى نفس الفترة التاريخية. والخطوط الجافة تتميز بطابع هندسي وزوايا حادة حيث أنها كانت محاولة في إضفاء صفة السمو والمرجعية الى الخط الذي كان يكتب به كلام الله في مصحف. أما الخطوط اللينة ذات الضربات المنحنية فكانت تستخدم في المعاملات ككتابة العقود والمراسلات وما شابه ذلك. وقد استمر الخطاطون يكتبون المصاحف بالخط الجاف بأنماطه الحجازي ثم جاء بعده الخط الكوفي فالكوفي المشرقي والخط المغربي الى فترة طويلة من الزمن. ثم سادت الخطوط اللينة في كتابة المصاحف في القرن الرابع الهجري (التاسع الميلادي) على يد خطاطي بغداد من أمثال إبن مقلة وياقوت المستعصمي وابن البواب.
density
ولنستعرض خصائص الخط الحجازي إبتداءاً من الصفحة. وأحب أن أنوه الى أننا سنرى أن لكل مثال نقدمه عن الخط الحجازي له مثال يضاده تقريباً. فمثلاُ نرى أن أغلب صفحات المصاحف التي كتبت في فترة الخط الحجازي كانت كثيفة من حيث صغر الهوامش وتقارب المسافات بين السطور الى درجة تلامس أطراف الحروف العالية كالألفات واللامات مع قاعدة السطر الذي فوقه. كما أن الحروف ذوات المقاطع المتدلية وخاصة حرق القاف تخترق مسار الكتابة في السطر الذي هو أسفل منه. وخير ما يمثل ذلك النموذج علي يمين الصورة. ومع أن كثافة الكتابة هي الصفة العامة والمتولدة عن الحاجة العملية في جمع نص القرآن الكريم كاملاً في مجلد واحد، إلا أننا نجد أمثلة أخرى تحمل صفات مغايرة كنموذج المصحف على اليسار في الصورة. ونرى في هذا النموذج أن الأسطر متباعدة مع ترك مسافة للهوامش.
spacingandalignment
وقد كان لخطاطي المصاحف الحجازية طريقة في ضبط تناسق الكلمات على السطور. ومن هذه الطرق التي تميز الخط الحجازي هو توازن الفراغات بين مقاطع الكلمات وبضمنها ما بين الكلمات. ويبدو أن مفهوم المسافة الفاصلة بين كلمتين عند الكتابة لم تكن معروفة في ذلك الوقت. وهذا ينطبق على كتابة بعض الأمم الأخرى كاللاتينية. ولذا فإننا نرى في مصاحف الخط الحجازي أن المسافة تكون بين المقاطع المنفصلة وإن كانت ضمن حدود الكلمة الواحدة عند الحروف التي لا تتصل مع الحروف التي تليها كحروف الألف والدال-ذال والراء-زاء والواو. ونرى هذا التوازن في عموم صفحات المصاحف الحجازية كما في المثال الذي على يمين الصورة. وقد يصل هذا الأسلوب ذروته كما في المثال في وسط الصفحة حتى لكأنك تستطيع تسقيط مشبك يضع كل مقطع من مقاطع كتابة هذه الصفحة في خانتها لتجانس المسافات بين المقاطع وتباعد المقاطع عن بعضها البعض. أما المثال الذي على يسار الصورة فيمثل أسلوباً آخر يتبعه خطاطوا المصاحف الحجازية وهو محاذاة الحروف العالية كالألف واللام عمودياً عبر سطور الصفحة كما هو واضح في الجزء المضيء في المثال. وهذه المحاذاة كانت تطبق على الحروف المدورة كالميم والفاء والقاف والهاء المنفصلة حيث يحاول الخطاط رصفها عمودياً متى إتيحت له الفرصة وخاصة في بدايات السطور.
orientation
بقي أن نذكر أن المصاحف الحجازية كانت ذات قطع عمودي أو طولي ومعظمها بحجم يقارب حجم ورق الـ A4 الحديث. ويعكس هذا الإتجاه الجانب العملي في صناعة المصاحف الحجازية حيث لم يكن الجانب التجميلي قد أخذ مأخذه في فترة صناعة المصاحف الحجازية. ومع تنامي الرفاهية في المجتمع المسلم في فترة الإدارة الأموية والعباسية تحولت صناعة المصاحف الى حرفة ذات مستوى عالي في الجانب الجمالي والذي تبعه إستخدام القطع العريض الذي شاع في فترة المصاحف الكوفية التي جاءت بعد فترة المصاحف الحجازية. وكما ذكرنا فإن لكل قاعدة من قواعد الخط الحجازي نقيضها فأن المثال على اليسار في الصورة يثبت لنا أن القطع العريض استخدم شيئاً ما في عمل المصاحف الحجازية، إلا أن ذلك ربما كان من النوادر.
tooleffect
يستطيع المتفحص لصفحات المصاحف الحجازية معرفة الأداة والمواد المستخدمة في صناعتها. فترينا ضربات الخط من حيث طريقة رسم الحروف أن الخط قد تم رسمه بواسطة قلم ذو سن عريض. ونستطيع أيضاً تخمين بأن السن لم يكن مشطوفاً كما في أقلام الخط التي جاءت فيما بعد وذلك من زاوية ميل نهايات الإمتدادات العمودية والأفقية كذلك. حيث أن هذه الزاوية التي تقترب أكثر من الوضع الأفقي يصعب رسمها بقلم ذو سن مشطوف. كما أن الزيادة في وزن ضربة الخطوط العمودية على وزن ضربة الخطوط الأفقية دليل آخر على انخفاض زاوية سن القلم عند الكتابة. أما لون الحبر وشفافيته فتشير بوضوح أن الحبر المستخدم كان من أنواع أحبار العفص التي سبق وأن تكلمنا عنها في مقالات سابقة. وتذكر إحدى المصادر أن الخطوط العمودية كما في الألف واللام كانت ترسم بضربة قلم تتجه من الأعلى الى الأسفل وبضمنها الألف النهائية والتي كان المفترض أن تكون ضربة القلم فيها سحب الألف من إمتداد الحرف السابق عند خط السطر ورفع الألف النهائية الى الأعلى. ويستدلون على ذلك من خلال تراكم الحبر في أسفل الألف النهائية كما في كلمة “عما” بالقرب من بداية السطر الثامن في الصورة. كما يرينا عين هذا المثال أن عادة التكحيل وتحسين ضربة الخط كانت متبعة في تلك الفترة من الخط العربي حيث تظهر هذه الزاوية التي نتحدث بشكل زاوية قائمة قد تم إستخدام طرف سن القلم لتشكيلها وتحليتها.
slantandtail
ولندخل الأن الى صلب خصائص الخط. وأول ما يميزه هو ميل الخط نحو اليمين والذي أعطى للخط إسمه حيث أن الخط الحجازي كان يسمى بالخط المائل أيضاً. ولا تكاد أي من الخطوط العربية التي جاءت لاحقاً تظهر هذا النوع من الميل. وميل الخط الحجازي هو ما أشار إليه ابن النديم في كتابه “الفهرست” حيث يقول عن الخط المكي (ومن ثم المدني) واللذين نجمعهما اليوم بمسمى واحد هو الخط الحجازي حيث يقول: “فأما المكي ففي ألفاته تعويج الى يمنة اليد وأعلى الأصابع وفي شكله انضجاع يسير”. ويكاد يكون ما كتبه ابن النديم هو النص الوحيد من الأثر الذي يصف هذا النوع من الخط. ونرى في الصورة مثالين يتباين فيها درجة ميلان الخط كما يتباين فيها عوجة الالفات أو ذيولها المميزة. وفي الوقت الذي إنقرض فيها الميلان سريعاً مع انتشار الخط الكوفي القائم احتفظت الالفات بذيولها خلال فترة الخط الكوفي الذي عقب الخط الحجازي. وأحب لفت النظر مرة أخرى الى طريقة محاذاة الألفات  واللامات المائلة عبر السطور حيث يظهر تجمع هذه الحروف كالجدائل التي تنحدر الى الأسفل واليسار عبر الصفحة في المثال الأول على اليمين. وبالعودة الى مزية ميل الحروف الى اليمين فقد فكرت وبحثت ملياً في الأسباب التي بعثت خطاطو المصحاف للكتابة المائلة بهذا الشكل. وقد حاول الباحث الغربي آلن جورج في كتابه “نهضة الخط الإسلامي” ربط السبب بتأثر كتّاب المصاحف بالكتابة السريانية التي كانت تتميز بالميل نحو اليسار. ولكني لم أجد مثالاُ واحداً يثبت رأيه وكل الأمثلة التي ساقها كانت من مخطوطات سريانية جاءت بعد فترة الخط الحجازي بقرون. ولكن الرأي الذي ذكره الباحث الألماني من جامعة ساربروكين الدكتور جيرد بوين  أقرب الى المعقول حيث يقول أن أسهل الخطوط العمودية التي يمكن أن يرسمها المرء هي الخطوط المائلة نحو اليمين كما يذكر في مقالته في كتاب “مصاحف صنعاء“. وحيث أني شخصياً أقوم بالرسم أحياناً فقد تطابق رأي الدكتور جيرد مع تجربتي في الرسم كما قمت بالمقارنة بين رسم ضربات القلم العمودية فوجدت الرأي صحيحاً. والخط الحجازي عموماً يتميز أيضاً بالصواعد العالية كما في حروف الألف واللام وخط الطاء والظاء. ويعمد بعض من كتب بالخط الحجازي الى التفريق بين صواعد الحروف عند إجتماعها كما يفعل المرء حينما يفرق بين أصابع يده ولربما كانت هذه مزية جمالية في تلك الفترة مثلما كان التفريق بين الأسنان أو ما يسمى الوشر الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم. ولكن الأمر هنا مختلف والتشابه فقط في فكرة التفريق بين الأطراف المجتمعة. ولربما كان المنحى في زيادة إستطالة الصواعد من الحروف هو إضفاء الهيبة والسمو على الخط وبما يناسب كتابة كلام الله. وفي الوقت الذي كانت فيه نقط الحروف معروفة – على خلاف ما يظنه الكثيرون-  فإن إستخدامها كان يسيراً مما يساعد في تقليل الغبش في شكل الصفحة وبالتالي الزيادة في تحقيق  الهيبة المطلوبة.
orthography
حينما يقوم خطاط المصاحف بعمله هناك مجموعات عديدة من القواعد التي عليه أن يطبقها. وهذه القواعد تشمل قواعد رسم الحروف التي تتعلق بالرسم الصحيح لأشكال الحروف وطرق إتصالها في الكلمات وقواعد رسم كلمات القرآن وهو ما عنت به كتب رسم المصاحف أو ما نسميه الإملاء. ثم هناك قواعد خطاطية لضبط جمالية الحروف والذي تطور لاحقاً الى درجة عالية من الضبط والتقنين. ومن دراستي للخط الحجازي لاحظت إلتزام أغلب المصاحف بطرق رسم الحروف بما يشير الى بلوغ صنعة الكتابة درجة كبيرة من التأصيل في فترة كتابة المصاحف الحجازية. فمثلاُ حينما تكتب حروف الكرسي على التتابع كما في الباء والياء والنون في أول كلمة “بينهما” المؤشرة بالرقم (1) في الصورة نجد أن كتّاب المصاحف دون استثناء يقومون بالتمييز بين الحروف بتغيير ارتفاع السن وذلك لتسهيل قراءة الكلمة. كما أن أشكال بعض الحروف المعقدة مثل الهاء الأولية واللام ألف (لا- كما هو مؤشر بالرقم 2 في الصورة) قد وصل الى درجة من النضج والتطوير في شكلها. كما أن الإتصال بحروف الجيم-حاء-خاء كان في غالبه يتم من أعلى الحرف بما يتطلب التخطيط المسبق قبل رسم الكلمة للمحافظة على إتساق الكلمة على السطر دون نزولها عند موضع هذه الحروف بسبب هذا النوع من الإتصال (رقم 3 في الصورة). أما بالنسبة للقواعد الخطاطية الجمالية فيبدو أنها لم تصل الى الدرجة التي يتضائل فيها الأسلوب الفردي للخطّاط أمام الأصول الخطاطية التي من شأنها توحيد الخط ضمن إطار جمالي معين. ولذا نجد أن الخط الحجازي يتباين كثيراً بين أعمال الخطاطين بل وحتى في المصحف الواحد الذي كان يتعاون عليه عدد من كتبه المصاحف يومذاك. وأحب أن أشير سريعاً الى ممارستين من ممارسة الخطاطين يومذاك منهما تكحيل الحروف بسن القلم لتكوين أشكال هندسة منتظمة كملئ الزوايا وتدوير الحروف المدورة كما في حرف الميم المؤشرة بالرقم (4) في الصورة. والثانية هي طريقة إرجاع ذيل الياء الى اليمين أسفل الكلمة (كما مؤشر بالرقم 5 في الصورة). ولا أعتبر هذه الممارسة قاعدة كتابية لأنك تجد خلاف ذلك أحيانا حينما تكتب الياء كما تكتب اليوم بتوجيه ذيل الياء الى اليسار باتجاه الكتابة.

وبهذا أكون بفضل الله قد وضحت ما توصلت إليه من خصائص الخط الحجازي من خلال دراستي له خلال هذه السنة التي أوشكت على الإنتهاء. وأرجو الله الكريم أن يوفقني في التوسع في هذا المبحث ونشره في كتاب في المستقبل بإذنه تعالى. ونحمد الله على فضله إنه لطيف لما يشاء وهو العزيز القدير. والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

12 رأيا حول “خصائص الخط الحجازي

  1. العَوْدُ أحمدُ! مقالة غنية ومميزة كما عودتمونا، تحياتي الطيبة لكم أستاذنا العزيز، نحن نتظر جديدكم بشوق دائمًا، بارك الله لكم في وقتكم، ونفع بكم.

  2. تحياتي لك استاذي..
    من الجميل ان نجد محتوى عربي يناقش هذه القضايا بعد غياب طويل للابحاث العربية عن الساحة ( لا يزال هذا الوضع قائما الى الان للاسف ) .. بالنسبة للخط الحجازي فقد اعيد الاهتمام به على يد الباحثين الشهيرين سيرجيو نوصيدا وفرانسوا ديروش والاخير عكف على ارشفة مخطوطات المكتبة الوطنية في باريس BNF ولا يزال الكاتلوغ الذي اصدره ركيزة اساسية لجميع الباحثين التاليين له لكنه مع ذلك لا يزال بحاجة الى استدراك وتصحيح في كثير من التفاصيل خاصة انه قد اهمل الروايات العريية المتعلقة بهذا الشأن في الوقت الذي ركز فيه على ناحية بالوغرافية بحتة (وارجو ان اسد هذا النقص مستقبلا خلال بحث اعمل عليه حاليا ) ..
    حتى لا اطيل عليكم سألخص لكم بعض الاستنتاجات التي توصلت اليها على امل ان افصل فيها بشكل افضل لاحقا :
    1-علينا ان نعيد النظر في الصورة القاتمة التي ترسمها المصادر العربية لواقع الكتابة في الجزيرة العربية قبيل الاسلام فالواقع يبدو بفضل الادلة الاخيرة المكتشفة في الحجاز ( قرية الفاو مثلا ) مختلفا تماما عن تلك الصورة التي ترسمها المراجع العربية خاصة اذا اخذنا بعين الاعتبار وجود نسبة كبيرة من التجار الذين تشكل الكتابة حاجة ملحة لهم ( هنا يبرز قضية دور مكة في هذا الجانب مقارنة بالمجتمعات الزراعية في المدينة مثلا وقصة فداء الاسرى بعد بدر اوضح دليل على ذلك )
    2- تسمية الخط الحجازي بهذا الاسم لا يوجد ما يؤيده تاريخيا بل لا يبدو ان مؤلف الفهرست قد عرف هذا الخط اصلا واذا بحثنا عن تسمية هذا الخط في المصادر العربية نجد ان التسمية الاقرب اليه هي المشق والجزم وهناك اسباب توضح هذه التسميات ليس هنا مجال لذكرها
    3- قد تستغرب ان اهم تحول في الخط لم يحدث في سوريا اوالعراق او غيرها من المراكز الحضرية القديمة بل حدث في الحجاز وبالمناسبة فما احدثه الحجازيون تجاوز من حيث الانتشار والتنوع ما قدمه الاخرون بكثير وهي مساهمة لا يمكن مقارنتها الا بما احدثه الحجازيون انفسهم في الموسيقى.
    4- ان الفترة التي كتبت بها هذا الخط لا تتعدى القرن الاول الهجري في الواقع ان الخطاطين المسلمين تجاوزوا هذا الخط في زمن مبكر جدا ومن هنا تكتسي المصاحف المكتوبة بهذا الخط اهميتها
    5- وهي نقطة طرحها الان جورج سابقا وهي ان التطور الكبير في الخطوط قد تم بموازاة التطور المعماري في العالم الاسلامي
    6- يبدو ان استعمال الورق قد تم خلال العصر الاموي الاول وهناك اشارة غير واضحة الى ذلك في الفهرست كذلك هناك اشارات الى مكتبات ونساخين محترفين في نفس الفترة في مصادر اخرى
    7- قضية اخرى طرحها ديروش وهي قضية النسخ الجماعي للمخطوطات لا اعلم هل هي شبيهة بتلك الحالة الموجودة في روما ؟
    هذا ما يحضرني حاليا هناك ملاحظات اخرى لا تزال في المسودات عندي ولكنها ليست بين يدي حاليا ..
    ختاما الفت نظرك الى كتابي ديروش الاساسيين في هذا الموضوع وهما the abbasid transmission + كتابه الاخير والمهم حول المصاحف الاموية والاخير موجود لدي pdf اذا رغبت يمكنني ارساله اليك.. اكرر شكري لك لالتفاتك لهذا الموضوع واعتذر على الاطالة عليك

  3. أخي العزيز قيس،

    أشكرك جزيل الشكر على هذه المداخلة الغنية والنقاط التي ثبتّها. وقد تسنى لي الحصول على كتاب ديروش “المصاحف الأموية” وأقوم الآن بقراءته وسأكون ممتناً إذا أرسلتم الي الكتاب الآخر الذي ذكرته في المداخلة.

    إن قدرة الباحث الغربي في الوصول الى الأصول وتحليل المعطيات المختلفة وتأليف ونشر أبحاثهم تفوق ما هو متاح لنا. والإسترشاد بمنهجيتهم والحقائق التي يعتمدون عليها مفيدة جداً ولكن حذري الأكبر من المرامي التي يحاولون إثباتها والتي تكون أحياناً خطيرة.

    والنقاط التي تفضلتم بذكرها غنية وهي مادة نقاش مفيد يمكن أن نتداوله في المستقبل خاصة بعد الإنتهاء من بحثكم والذي أسال الله أن يوفقكم فيه الى إعطاء الصورة الأوضح عن الخطوط والمصاحف الحجازية.

    وبمناسبة التسمية وحيث أنها عنوان السلسلة التي فرغت منها، فهي -وكما تفضلتم- غير موجودة قديماً. ولديروش قول في هذا حيث أنه يتقبل هو الآخر هذه التسمية على الإفتراض المقبول أن الخط المكي والخط المدني لا يختلف الواحد منه عن الآخر كثيراً وهو يستشهد مثل ما فعلت أنت بقرار النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم في الفداء بعد بدر حيث أن خط أهل مكة ينفع تعليمه لأبناء أهل المدينة لتشابههما. وانطلاقاً من هذا التشابه يمكن جمع هذا الخط بتسمية الخط الحجازي في تعاطينا الحديث لوصف هذا الخط.

    ختاماً أتمنى لكم مرة أخرى كل التوفيق وسأكون ممتناً ومتشرفاً بما تشاركوننا فيه من المعرفة والملاحظات والمصادر.

    مع خالص تقديري واحترامي

    1. هو كما تفضلت استاذي .. قدرة الباحث على الوصول للمصادر هي الركيزة الاساسية .
      فرانسوا ديروش عندما قام بكتابة بحثه عن مخطوطات المصاحف لم يكتفي بدراسة الارشيف الضخم في مكتبة باريس بل تم ارساله الى تركيا لدراسة التركة الضخمة من المخطوطات القديمة والتي كانت محفوظة بالجامع الاموي قبيل انهيار الدولة العثمانية وهناك تكفلت به جهة اسمها المعهد الفرنسي لدراسة الشرق الادنى وهي جهة تتبع لوزارة الخراجية الفرنسية مباشرة وتتيح للباحثين (من يتقن الفرنسية بغض النظر عن جنسيته) اقامة مجانية ومكتبة ضخمة تطفح بالمراجع والابحاث هذا عدا النفقات المرسلة اليه طوال فترة تحضير البحث العلمي … والنتيجة اصغر بروفيسور يدرس في ارقى معهد علمي في فرنسا “كوليج دو فرانس” في المقابل ترى جماعتنا يتعاملون مع هذه المخطوطات كسر من اسرار الدولة مثلا في حالتي انا شخصيا عندما طلبت مخطوطات من مصر كان يجب علي ان اطلب هذا المخطوط بهدف تحقيقه في رسالة دكتوراة او ماجستير فقط وعدا هذا فلا يمكن أن افكر في طلبه اصلا وعندما تلجأ لجهات مخصصة لخدمة الباحثين كمعهد المخطوطات يكون الجواب جواب استفساري بعد 5 اشهر! وبعد أن تؤكد طلب المخطوط وتبدي استعدادا لتحمل تكلفة تصويره تنتظر جواب طلب لا يصلك حتى هذه اللحظة (هذا الكلام منذ سنتين).
      قد اتفهم اني في مجال بعيد عن الموضوع نوعا ما كوني مهندس معماري وهذا قد يكون صحيحا لكن الحال لا يقتصر علي او على هذا التخصص فهناك معاناة لدى كثيرين غيري ولحسن الحظ فهناك بدائل اخرى متوفرة كسماسرة المخطوطات او المتطوعين لنشر المخطوطات على الانترنت كمشرف الشهري او المواقع شراء الصور كوزارة السياحة التركية. الا ان هذا كله لا يرتقي للجهود التي تبذلها اروبا وامريكا حاليا يكفي ان تعلم ان هناك ميزانية تقدر بالمليارات لتوفير جميع الارشف الموجود في المكتبات الاروبية الكترونيا وان هناك مشروع فرنسي – الماني قديم لدراسة المخطوطات القرانية القديم يشرف عليه ديروش شخصيا .. من المؤكد انك لمست هذا الامر وانت تحضر لابحاثك.
      اعتذر عن الاطالة في هذه النقطة بالذات لكني اقولها لاني اعلم ان الكثير من الحالمين يطالبون اليوم بعودة هذه المخطوطات الى “بلاد المسلمين” وكأنهم تناسوا ان غالبيتها (باستثناء ما سلبته فرنسا) قد تم بيعها لهؤلاء بأبخس الاثمان من الذين كانوا مؤتمنين عليها (ولا تزال قصة سرقة مخطوطة الربيع من المعرض المخصص لها في دار الكتب حاضرة الى الان)
      وبعيدا عن ذلك ولو تغاضينا عن دور الحكومات فهناك مسؤولية للافراد تجاه تراثهم لا نجدها للأسف محققة على ارض الواقع ولهذا فانا احترم فعلا قيامك بدخول حقل الالغام هذا (وقد اخبرتني بنيتك هذه في تعليق سابق) وانا عالم بالمشقة التي ترافق مثل هذه البحوث لكنه الطريق الوحيد لتحديد تطور الخط العربي من الاساس.
      حتى لا اطيل التعليق اكثر من هذا الطول استعرض بعجالة بعض النقاط
      – بالنسبة للنقاط الاخرى كتسمية الحجازي والمكي والمدني فأنا اختلف مع ديروش في هذه المسميات واسقاطها على الخطوط التي زعم انها تنتمي لها .. بالنسبة لي فالمكي والمدني خطان مختلفان تماما وهما قديمان نعم لكنهما ظلا مستخدمين الى القرن السادس تقريبا وكدليل على هذا فهناك – بالاضافة للادلة الاثرية – اشارة في رسالة التوحيدي الى وجودها في اواخر القرن الرابع. (تصنيف التوحيدي يتميز عن تصنيف ابن النديم بكونه مخصص للحديث عن الخطوط المتداولة بين الخطاطين من خارج الديوان بينما ابن النديم فتصنيفه مخصص لخطوط المصاحف فقط )
      – فيما يخص تسمية المائل فهنا نقطة خاطئة استاذي الكريم وهي ليست خطأك بل الخطأ مصدره نوع الطبعة المعتمدة للفهرست فالطبعات الادق للكتاب (بالاخض تحقيق فؤاد سيد المعتمد على مخطوطات منقولة من خط المؤلف) توضح أن التسمية الاصح هي المنابذ (اصلا من غير المنطقي ان يتحدث عن 3 تسميات لنفس الخط) هذا في الحقيقة يؤكد ما ذهبت اليه ان ابن النديم لم يعرف مصاحف مكتوبة بالخط الحجازي بل عرف وثيقة واحدة مكتوبة بهذا الخط وصفها بأنها شبيهة بخط النساء لرداءة الخط.
      -بالرغم من اقتصار الباحثين على الفهرست الا انهم اهملوا جانبا مهما من الكتاب وهو الذي يتعلق بمقارنة الخط العربي بالخطوط الاخرى . ولا يبدو ان احدا منهم باستثناء أ. جورج قد التفت الى هذا الجانب. للاسف فاهمال الكتب العرب وهم اعلم الناس بخطوطهم سبب تخبط الكثير من الباحثين في متاهة لا مخرج منها ولو رجعنا الى كلام آخرين كابن قتيبة وابن السراج والداني والبغدادي وحمزة الاصفاني غيرهم الكثير لوجدنا أنهم وان كانوا لا يتكلمون عن الخطوط القديمة حصرا الا اننا لا نعدم اشارات قليلة تفيدنا بشكل أو بآخر الى هذه الخطوط
      -النقطة الاخيرة التي اود ان يتم الالتفات اليها هي قيمة مصدر غير متوقع وهو كتب السحر والشعوذة والمعمى وهي تمتلك ميزة تتفوق فيها على النصوص الادبية وهي ميزة النماذج الخطية والتي لا نراها الا نادرا جدا في الكتب .
      اكرر شكري واعتذاري على الاطالة الشديدة واستهلاك وقتكم

      1. بارك الله فيك أخي العزيز قيس على هذه الإيضحات المهمة والتي تنم عن معرفة ودراية بشأن الخط الحجازي وستكون بعض المراجع التي ذكرتها الروضة التي سأجول بها في الأيام القادمة.

        بارك الله فيك وجزاك خيراً وسأكون مسروراً للمساعدة في بحثكم – خاصة وأنني أشاركك التخصص في الهندسة المعمارية.

        مع كل الشكر والتقدير والإحترام.

    2. بالنسبة للكتاب فانا نسيت ان اذكره سابقا لكني للاسف لا امتلك نسخة الكترونية الا لكتاب المصاحف الاموية اما الكتاب الاخر او كاتلوج مجموعة خليل فهي عندي ككتاب ورقي وهو من الضخامة بحيث يتعذر علي تصويره لكني امتلك نسخة pdf لكتاب آخر غيره لديروش هو كتاب La transmission écrite du Coran dans les débuts de l’islam ويوجد ملخص بالاجليزية في آخره وهو يتناول المخطوطة الشهيرة الموجودة في باريس-بيترسبيرج والتي خصص لها فصلا كاملا في كتابه المصاحف الاموية سارسه لو اردت عبر الايميل
      وهذا ايميلي لو اردت اعلامي qais.qudah@gmail.com
      – على الهامش هذا موقع الكوربوس كورانيوم الذي يشرف عليه ديروش وفيه صور كثير من المخطوطات القديمة جدا http://corpuscoranicum.de/

      1. أديت ووفيت وجزاك الله كل الخير وكل الشكر على المعلومات المفيدة.

        تمنياتنا لكم دائماً بكل ما هوخير.

        مع خالص محبتي وتقديري

  4. السلام عليكم

    م. خالد اولاً اشكركم على مجهوكم في جمع هذه المعلومات والمصادر لتوثيق تاريخ الخط العربي وتطوره. وكذلك اشكر الاستاذ قيس على ملاحظاته الرائعة التي سردها واتمنى ان يكون وفق في بحثة الذي ذكره.

    ثانياً اود ان اسأل ان كان هناك ترجمة لهذه الكتب الأجنبية للعربية حتى يستفيد بها القارئ العربي؟
    كما تعلمون المواقع العربية تعج بالكثير من المعلومات المغلوطة والخاطئة عن الخط العربي وتاريخة.

    اتمنى ان يكون هناك ما اساهم به لجعل هذه المعلومات متاحة للجميع وتوثيق هذه المعلومات بالعربية

    وشكراً لكمز
    محمد بكر

    1. عليكم السلام عزيزي محمد بكر وشكراً على ملاحظتك.

      بالنسبة للكتب المترجمة في هذا المجال فإن الكتاب الوحيد الذي وجدته مترجماً بالعربية هو كتاب “المخطوطات الإسلامية” للباحث الفرنسي فرانسوا ديروش. وقد كان هناك رابط على الإنترنت الى هذه الترجمة بحثت عنه اليوم ولم أستطع أن أجده.

      وملاحظتك حول ضعف المحتوى العربي وعدم قدرته على إعطاء الموضوع المنزلة التي يستحقها صحيحة مئة في المئة. والمشكلة بدأت قديماً في الواقع حيث اندثرت الكثير من المعارف المتعلقة بهذا الموضوع. ولربما لم يبق منها سوى إشارة إبن النديم في كتابه الفهرست الذي ألهم الكثيرين للبحث عن الخطوط التي يذكرها في كتابه.

      ولقد سرّني كثيراً أنك ترغب في المساهمة في زيادة المعارف العربية في هذا المجال فالعمل مطلوب لاستعادة هذا الإرث الثقافي المصادر. وبالرغم من وجود العديد من الطرق التي يمكن المساهمة من خلالها إلا أن الأمر يعتمد في النهاية على ميولك وإمكانياتك. ولربما يكون الأفضل من الترجمة هو كتابة المقالات النقدية لأعمال كل من الباحثين العرب والمستشرقين وبيان الجوانب الإيجابية والسلبية في عمل كل منهما.

      ختاماً أشكرك مرة أخرى وأتمنى لك التوفيق في كل ما تسعى إليه.

      مع خالص تقديري واحترامي

      خالد العبدالله

اترك رداً على Mohamed Bakr إلغاء الرد